في ظل غياب رقابة وزارة الصحة وعدم تحفُّظ الأجهزة الأمنية على الأطباء المخالفين في المستشفيات الأهلية، أصبح ميسوراً على أي طبيب الهرب والإفلات من يد العدالة، وهذا ما حدث وفق ما نشرته عكاظ في صفحتها الرئيسية يوم الأربعاء الماضي، فقد أكدت مصادر مطلعة أنّ الطبيب نرمز عزام والذي أشرف على إجراء العملية الجراحية للطفلة رنيم محمد حداد - 12عاماً - في مستشفى عرفان، قد تمكّن من العودة إلى بلاده مكرراً نفس سيناريو هروب الطبيب المتسبب في الخطأ الطبي الذي أودى بحياة الطفل صلاح الدين يوسف، هرب الطبيب نرمز ضارباً بقرارات وزارة الصحة القاضية بمنع كامل الطاقم الطبي المشرف من السفر عرض الحائط. قرار وزارة الصحة يبدو للوهلة الأولى أنه شديد اللهجة وينشد فيه الظهر ويبعث على اطمئنان عائلة الطفلة رنيم التي تعرّضت إلى خطأ طبي أدخلها في غيبوبة لأكثر من شهر، فقد رافق القرار الذي ينص على عدم سفر جميع الطاقم الطبي بما فيهم الطبيب الهارب، تشديد على أنّ الوزارة لن تتوانى عن مضاعفة العقوبات على مستشفى عرفان في حال ثبوت وقوع الخطأ في هذه الحالة، لكن القرار والتشديد والعيون الحمراء من وزارة الصحة لم تجد نفعاً فقد ذهبت للأسف أدراج الرياح، إذ تلقّى معالي وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة برقية شكوى عاجلة من عائلة رنيم تتهم المستشفى المذكور بتهريب الطبيب دون مساءلته والتحقيق معه، وهذه طامة أخرى إذ كيف يجرؤ المستشفى على تهريب الطبيب إلاّ إذا كان آمناً العقوبة !
الخطأ الطبي من الطبيب الهارب قضية كبرى لا يمكن السكوت عنها وتمريرها أو تمييعها، وتأتي امتداداً للأخطاء الطبية القاتلة التي يروح ضحيتها العشرات كل عام، ولعل من أسبابها ضعف الكوادر الطبية في المستشفيات الحكومية والأهلية والشك في مؤهلات بعضهم وتحوُّل الخدمة الطبية في المستشفيات الخاصة إلى عملية تجارية بحتة لا تأخذ في الاعتبار الجوانب الإنسانية، وللأسف فأرخص شيء في نظرهم حياة المريض والتي تذهب في غمضة عين نتيجة خطأ طبي بدائي في كثير من الأحيان، إما لوضعية مشرط غرس في غير مكانه بطريقة خاطئة ليستأصل أعضاء سليمة في جسم المريض، أو نقل دم ملوث نتيجة إهمال في فحصه قبل حقنه في جسم المريض، ورغم تكاثر الأخطاء وشكوى الناس المستمرة إلاّ أننا لم نلمس أي إجراءات لوقف خطر تلك الأخطاء وظلّت وزارة الصحة مصطفّة إلى جانب المتفرّجين، دون محاولة لاتخاذ إجراءات عملية وسريعة حفاظاً على حياة المرضى. وكان الأولى وجود تعريف واضح للخطأ الطبي يمكن القياس عليه، كما أنّ لائحة الجزاءات غائبة تماماً عن التطبيق. وزارة الصحة مطالبة في الوقت الحالي بنقل الطفلة على وجه السرعة لمستشفى متخصص لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وعدم ترك الطفلة وعائلتها في حالتهم الصعبة.
أما تهريب الطبيب فقضية أخرى أكثر كارثية تستوجب تدخل كل الجهات ذات العلاقة لكشف المتسبب، ومن وراء التخطيط لعملية التهريب ومن استخرج للطبيب التأشيرة؟ وما الدوافع الحقيقية، فقد يكون في ثنايا هذه القضية حقائق ومعلومات يخشى ملاّك المستشفى كشفها فتدينهم وتميط اللثام عن ضلوعهم في القضية وقضايا أخرى، وقد تكشف عن تقصيرهم في تقديم المطلوب منهم؟
أتمنى أن تتفاعل وزارة الصحة مع هذا الموضوع بجدية وسرعة، فالوقت يمضي والدقيقة مهمة جداً في حياة المريض.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15