لماذا يحتل موضوع عمل المرأة وعملها كل هذه المكانة من الناس سواء كانوا ذا علاقة بالشأن العام أم لا؟؟ لأن الأمر ببساطة يمس كل أسرة فهناك زوجة أو ابنة أو أخت أو ابنة عم أو حتى (قرابة من بعيد) ترغب في التعلم وستبحث عن وظيفة وإذا كنا لا نزال قادرين على تحمل أعباء إسدال ستائرنا الثقافية وتغطية عوراتنا بحلول مؤقتة فإن ذلك غير قابل للاستمرار على المدى الطويل.
اليوم تتمتع الدولة بدخول بترولية كبيرة لكن ذلك ليس مضمونا على المدى الطويل كما أن الدولة ومهما عملت فلن تتمكن من حل معضلة مليون ومائتي ألف عاطلة عن العمل أكثر من نصفهن جامعيات!
نحن نعيش فوق قنابل ثقافية واجتماعية موقوتة وحسناً تفعل بعض قطاعات الدولة في التفريج عن بعض الغاز المحتقن حتى لا ينفجر. لكن ماذا عسانا أن نفعل إن حدث الانفجار الكبير؟
ضرورة توفر فرصاً موازية وعادلة لأعداد النساء ممن هن في سن العمل ويرغبن في العمل حق إنساني لا جدال فيه. العمل لم يخلق لكل امرأة بمعني أن الكثير من النساء لا يرغبن أصلا في العمل أو هن مكتفيات وهذا حقهن، لكن الأصل يجب أن يكون حق المرأة الإنساني في العثور على عمل بدخل كريم يقيها شر الحاجة ويتناسب مع إمكاناتها العلمية والوظيفية.
العمل أيضا وللمرأة نفسها قد لا يكون مهما في كل مرحلة من حياتها فقد تتمكن واحدة من العمل في أول حياتها المهنية ثم ترغب في التوقف مؤقتا أو العمل بالنظام الجزئي للبقاء مع أطفالها أو قد ترغب في القيام بعمل خاص.. إلخ.
الأصل إذن في سوق العمل يجب أن يكون وجود خيارات مفتوحة للمرأة في مختلف تنوعاتها الشخصية والعمرية والمهنية كما هو متاح لزميلها الرجل الذي لا يناصبها العداء بل هو يساعدها ويدعمها خاصة بعد الملاحظة الطريفة (والعلمية بالتأكيد!!!) من أحد المدراء لقطاع حكومي في ورشة عمل حضرتها مؤخراً في جامعة الأميرة نورة حول تعليم وتوظيف الجامعيات الذي أشار إلى ارتفاع أسهم الموظفة ضمن المجتمعات المحلية حين تحصل على وظيفة بحيث يسهل زواجها مقارنة بمن لم يجدن عملاً.
نعلم جميعا أن توظيف المرأة السعودية من أولى الاستراتيجيات في أجندة الدولة والمهم أن نوجد الوسائل التنفيذية الناجعة لخلق وظائف مناسبة للمرأة تساعدها على الاستمرار على المدى الطويل.. مثل عملية إعادة التأهيل للعدد الهائل من خريجات التخصصات الإنسانية والشرعية واللاتي يشكلن 70% من مشكلة البطالة في القطاع النسائي. هذا النوع من الخريجات بحاجة إلى إعادة تدريب وتأهيل تتناسب مع احتياجات السوق وهو ما تحاول قطاعات عديدة عمل بعضه هنا وهناك بجهود متفرقة مثل الموارد البشرية والمؤسسة العامة للتدريب المهني والفني لكن الأصل هو في عطب المخرجات الجامعية من أساسها وهو ما يجب أن تقف الدولة بشجاعة وشراسة في وجهه لتعيد مساءلة الأقسام الأكاديمية في الجامعات السعودية الثمان وعشرون حول برامجها وخططها التي يجب أن تؤهل خريجها بمهارات عامة في مجال التفكير العلمي وحل المشكلات والعمل الجماعي وقبول الاختلافات وإتقان اللغة العربية تحدثاً وكتابة مع الكثير من اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي بغض النظر عن تخصصهم سواء كان في مسارات علمية أو إنسانية خاصة وإن هذه المتطلبات تمثل اليوم أساسيات سوق العمل إضافة إلى ضرورة فرض متطلب التوأمة على الأقسام مع القطاع الخاص خلال الدراسة في الجامعة بحيث يكون من متطلبات التخرج في أي تخصص نظري أو علمي التدريب والعمل لساعات محددة أو فصول دراسية في القطاع المناسب للتخصص أو حتى كما تفعل كثير من المؤسسات التعليمية المتقدمة اليوم في أستراليا والولايات المتحدة واليابان وذلك بفرض فصل أو سنة دراسية يقضيها الطالب في بلد آخر ويتعلم لغتها ويدرس في إحدى جامعاتها كمتطلب أساسي للتخرج! (أخ ما أبعدنا عن هذه المرحلة للأسف)!
السنة التحضيرية في الجامعات الذي أقر منذ سنوات قليلة يفترض أن يمد الطالب ببعض هذه المهارات لكن هذه السنة التحضيرية تحمل في جعبتها كما هائلا من المشكلات التي أعتقد أن النظر إليها مهم لتقييم التجربة وأتمنى فعلا من كل قلبي أن تعقد الجامعات دراسات تتبعية لمخرجاتها وجلسات حوار (فوكس جروب) مع بعض طلابها لتعرف مدى استفادتهم وشعورهم بجدوى ما يدرسون ومن ملاحظاتي الشخصية ومتابعتي لبعض ما يأخذونه لم أفهم ولا أظننني سأجد تفسيراً معقولاً لأن تعطي مثلا مهارات المقابلات الشخصية للوظيفة وبناء وكتابة السيرة الذاتية لشاب قد تخرج حديثاً من الثانوية وما زال أمامه خمس إلى سبع سنوات لإنهاء التخصص الجامعي ولا أعرف ماذا سيتذكر عند ما يتخرج ويبدأ في البحث فعلا عن عمل؟؟ إذن الأساس يجب أن يكون في عمق خطط الأقسام الأكاديمية وليس فقط مواد (مصنعة) في التحضيرية. يجب نفض الغبار عن خطط الأقسام وإيقاظها من سبات عميق دخلت فيه منذ عشرين عاما ولم تستيقظ بعد! هي ما يجب أن تتضمن مقراراتها المهارات التي أشرنا إليها ليس كمواد مستقلة بل مهارات وإستراتيجيات يتم التعلم من خلالها لكل المواد كتبني نظام المشروع وتقديم بعضها باللغة الإنجليزية وفرض ساعات عمل تطوعية في مؤسسات المجتمع المختلفة للانفتاح عليه والتعرف على تنوعاته العرقية والطبقية والصحية وتغيير محتوى المواد... إلخ من الإصلاحات التي يجب أن تفرض على جامعاتنا المحلية لتحقيق الحد الأدنى من متطلبات الاعتماد الأكاديمي.
أنا أتعاطف كثيراً مع وزراة العمل في قضية عمل المرأة لأنها مجبرة على التعامل مع كل عقدنا وحساسياتنا التي لا تنتهي بشأن المرأة لكن وكأن ذلك لم يكن كافياً للوزارة لتجد أن المشكلة ليست فقط مع هؤلاء القوم الذين يتجادلون ويختصمون في نومهم وقيامهم حول موضوع المرأة بل لتكون المرأة نفسها خصم لنفسها وبنات جنسها فتقف حجر عثرة في مشروعات التوطين والتوظيف كما نرى في كثير من الأصوات الداعية إلى إغفال المرأة من برامج التنمية والتوظيف كونها الجوهرة المصونة.. نحن نصرخ من هذا المنبر: أعطوني عملاً يكفل كرامتي ويبعدني عن حاجة السؤال لأكون حقا كريمة ومصانة.