قضيت ليلة البارحة قلقة وأنا أتلقى أسئلة من طفلتي التي تبلغ الحادية عشرة وهي تطرح أسئلتها كل خمس دقائق.. ماما متى بتنامين؟؟ ماما بتنامين بدري؟؟ ماما نيمي أخويه وتعالي أجلسي معي؟؟
وفجأة تقول.. ماما ممكن اللاب توب؟ وأنا أتكهرب عندما تطلبني هذا الطلب أخشى أن يلحق بجهازها المحمول الذي تحطمت شاشته للمرة الثانية من ثلاثة أشهر وأقسمت ألا أساعدها في إصلاحه عقاباً لإهمالها وخصوصاً أنها تركته على الأريكة تتدلى منه وصلة الشاحن فما كان من شقيقها إلا أن أرداه طريحاً على الأرض محطم الشاشة.
سمحت لها استخدام جهازي للحظات وبين الفينة والأخرى أراقب وقلبي تزداد ضرباته كلما رأيت ابني يتجول في الصالة بحثاً عن شيء في متناول الأيدي ليحطمه كعادته.
اقتربت منها ألاعب خصلات شعرها فسارعت لإغلاق الصفحة فقلت بغضب: ما الذي تخفينه عني؟؟ قالت ماما بليز (ما في لا شيء) وبجوارها دفتر صغير تكتب لا أعرف ماذا تكتب فيه لأنها كلما رأتني أمرُّ بجوارها وأنا أتنقل بين المطبخ تارة وحجرتي تارة وأتابع التلفاز تارة كانت تسارع لإخفاء ما تكتبه، فقلت في نفسي (ما بدهاش) كلها شويات وتذهب للاستحمام ثم تخلد للنوم وسأقوم بعمليات البحث والتقصي.. ولكن ما أن بدأت تهم بإغلاق الجهاز وإغلاق الدفتر إلا وهي تأتي لي بخطوات ثابتة وتقول: ماما ممكن أطلب طلبين؟ قلت (بامتعاض) تفضلي!! ممكن الجوال جوالي خالص رصيده؟ وبدأت أحقق معها قالت: أريد الاتصال بخالي. أعطيتها الجوال وذهبت بعيداً عني لإجراء مكالمتها وأنا قلبي يتقطع ثم عادت بعد لحظات.. وقالت الطلب الثاني (البنت ذي وناويه تجيبها لبر).
قالت أوعديني ماما أوعديني أنك لن تفتحي أشيائي الموجودة بالصالة، فما كان بوسعي إلا أن أعدها وألتزم بالوعد وأنا أصارع فضولي كأم تريد معرفة ما تخفيه عنها طفلتها. ولكن كتمت غيظي وظللت طيلة ليلي أفكر ما الذي تخفيه: عندها سمعت صوت مفتاح باب المنزل فإذا به زوجي فحدثته عما حدث وتعجبت من بروده وهو يقول خليها براحتها بما أنك وعدت فالتزمي الصمت، وحينها تمنيت أني لم أعدها. أشرقت شمس اليوم الثاني.. وأنا في قلق..
مر ذلك اليوم طويلاً وبعد انقضاء فترة الدوام ركبت السيارة ووجدتها تركب مع عمها وكانت العادة أن تعود من مدرستها للمنزل مباشرة، سألتها لماذا جئت مع عمك... وإذا بـ (زوجي) يقول اركبي وأنت ساكتة.... خير الخليقة كلها... اسكت لا تتدخلي لا تفتحي لا تقفلي؟؟ مؤكد أن في الأمر (إن) عشت ساعات من التحطيم والكبت النفسي وخصوصاً إني امرأة عندها ميول استطلاعية ومعرفة الأمور بالتفصيل (اشتغل عندي العرق الحريمي) ولكن لا أخفيكم أنني شعرت بالطمأنينة إلى حد ما بما أن زوجي يعرف من ابنتي ما لا أعرفه أنا.
عدت للمنزل وإذا بي تفرض عليَّ الإقامة الجبرية في حجرتي لبضع دقائق وإذا بطفلتي تدخل علي بباقة ورد معطرة وتهدني أبياتاً من الشعر كانت قد نقلتها ليلة البارحة من الإنترنت وقدمتها لي بمناسبة العام الهجري الجديد...
فوالله من السعادة احتضنتها بشدة وقبلتها وقلت أنا فخورة بك يكفي أنك فكرت بتقديم هذه التهنئة حتى وإن كانت شفهية فقلت هي تهنئة بالعام الجديد وتهنئة بسلامة أخي الذي كان مريضاً وكنت تأخرت في تقديم الهدية لأني أنتظر مبلغ الجمعية العائلية الذي دفعتيه لي منذ أشهر وهو مبلغ 100 ريال شهرياً قيمته الإجمالية في دورها (900 ريال) لم يجمع إلا من يومين ففكرت أن أرد لك الجميل واسمحي أن أدفع لمعلمة اللغة الإنجليزية الخاصة دفعة من المبلغ الذي اتفقت معها عليه..
أسعدتني ابتسامتها كثيراً ولم أتمالك نفسي من الدموع كم هو شعور جميل أن تجد ثمرة برك بوالديك وثمرة تعبك وعنائك في التربية أمام عينيك، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.