|
الرياض - خاص بـ(الجزيرة):
الأسرة هي لبنة أي مجتمع.. وهي نواته وعنوان السعادة لأفراده، ففي صلاح الأسرة صلاح للمجتمع وسعادته.. فهي تخرج للأمة أبناء أسوياء صالحين نافعين، والعكس صحيح.. ومما يلاحظ في السنوات الأخيرة أن هناك نوعاً من التفكك والشقاق داخل كثير من الأسر في المجتمعات الإسلامية، وهذا يؤثر في المجتمع بعمومه، ويؤدي إلى انتشار كثير من الظواهر السلبية في المجتمع. وأمام تلك الظواهر لابد من وجود وسائل مثلى يمكن أن تسهم في الوصول إلى تحقيق سعادة أسرية في المجتمع المسلم.. وعلاج مناسب لكثير من القضايا والمشكلات التي تعاني منها الأسرة المسلمة.
العناية بالأسرة
يوضح الشيخ فيصل بن على السويطي عضو الدعوة والإرشاد بمنطقة حائل: لفظ كلمة (أسرة) بأنه مأخوذ من المادة اللغوية (أسر) التي تدل على الاجتماع والقوة في الخلق والتكوين كقوله تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ}، ومن هذا المنطلق سميت حديثاً التركيبة الصغيرة المؤلفة من العائل والمعال (أسرة) وأصبح معنى شائعاً يدل عليها يعرفه الجميع، إن الشريعة السمحة سنت أحكامها مراعاة لمقاصد عظيمة هي (حفظ النفس والدين والعقل والمال والعرض)، وأن العناية بالأسرة يتجلى في تصنيفها إلى راع ورعية (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فبينت أن على الراعي حقوقاً وعلى الرعية حقوقاً، وعنايتها بمبدأ الإعالة أي النفقات (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) وأصله في صحيح مسلم، وعنايتها بشأن التربية والأدب ففي الحديث الذي يحسنه بعض أهل العلم مرفوعاً (ولا ترفع عنهم عصاك أدباً وأخفهم في الله) رواه أحمد، وتحضيضها على القيام بشأن الولاية في الأمور الشرعية كضرب الأولاد ذوي العاشرة فما فوق على الصلاة وإسناد عقد الأنكحة إلى الأولياء وحفظ أموال الصغار والسفهاء.
ويشير السويطي إلى أن المقاصد الخمسة للشريعة تنطلق لبناتها الأولى من الأسرة فالدين يرعاه الأبوان وينشآن الناشئة عليه، والنفس والعقل محفوظان بالنفقة والتربية، والمال والعرض محفوظان بالولاية على الصغار والسفهاء والنساء بحفظ الأموال وتزويج الأكفاء ولأجل أننا في زمن كثرت فيه المشاكل الأسرية وتشتت هموم الأولياء في متطلبات الحياة العصرية المعقدة وحصلت الفجوة بين النشء والقدوات الصالحة.
تماسك الأسرة
ويقدم الداعية فيصل السويطي مجموعة من المقترحات التي تساعد على تماسك الأسرة وذلك على النحو التالي:
1- تعظيم الدين في النفوس ليقوم وازعه بحمل كل صاحب أمانة على رعاية أمانته حق الرعاية.
2- ضرب المثل في القدوات الصالحة السابقة واللاحقة ليرتبط النشء بهم حيث إننا نرى أن القدوات الصالحة تغيب عن أذهان الشباب وضاعت اهتماماتهم بين الرياضات البدنية وما يتعلق بها حتى بات من المحتوم لدى فئة من الشاب أنه لا معرفة لبعض الكبار والأولياء بما آلت إليه أمور الحياة العصرية فلا قيمة لتوجيههم أو نصائحهم.
3- تبصرة المجتمع عموماً بالبون الشاسع بين ما تعيشه أمة الإسلام من هداية ونور وبين ما يعيشه غيرها إذ حتى المفرط من أمة المسلمين له مأرز يلجأ إليه إذا ضاقت به سبل الشر لأن نور الهداية ظاهر بخلاف أمم الضلال التي يتخبطها الشيطان فلا يدري طالبو هدايتها على العموم أو الخصوص بأي واد يلقيهم الشيطان وهذا مشاهد والتأريخ موثق له.
4- بعث الإعلام الهادف والبناء فقلد رأي الجميع، أن الإعلام يكاد أن يكون الأسلوب الحصري لتلقي المعلومة خصوصاً في أوساط الشباب.5- نسج الحبال الوثيقة بين الأب وبنيه والمعلم وطلابه.. إلخ، من خلال تلمس حاجاتهم والسؤال عما يستشكلونه أو يفكرون فيه ليساعد هذا على تنمية المواهب والتطلعات السليمة ورعايتها وعلاج بعض الأمور السيئة في أولها.
ميزة الأسرة المسلمة
أما الدكتورة أمال بنت فهد الجليل المحاضرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض فقالت: تمتاز الأسرة المسلمة عن غيرها من الأسر بأن الحبل الذي يربط بين أفرادها يمتد من الدنيا ليصل بهم إلى الآخرة، فالوالدين يؤديان ما عليهما من واجبات تجاه أبنائهم عملاً بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، والأبناء يؤدون ما عليهم من واجبات تجاه الوالدين أخذاً بقول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد) أخرجه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني، وقال المباركفوري: قوله (رضا الرب من رضا الوالد) وكذا حكم الوالدة بل هو أولى.
رغم هذه الميزة الملازمة للأسرة المسلمة إلا أن مظاهر ضعف هذا الحبل ووشك انقطاعه بدت واضحة، والكل يتساءل كيف نعيد للأسرة ترابطها وسعادتها المشتركة؟، حيث أصبح كل فرد داخل الأسرة يحيا عالمه الخاص الذي يسعد به ويحزن لأجله، وربما لا يجمعه بأهل بيته سوى جدران إسمنتية وأطباق الطعام.
ولعل أفضل وأقوى علاج هو بالتمسك بحبل الله في بناء وتوجيه الأسرة، وعلى الوالدين تقع المسؤولية الكبرى، حيث القيام بحقوق الأبناء بتنشئتهم على معرفة حق الله وأدائه، والعدل بينهم، والرفق بهم، وعدم استقصاء أخطائهم الصغيرة وتضخيمها.
ومن حقوق الأبناء التي يغفل عنها كثير من الأهل محاورتهم والإصغاء لهم، فربما تجد الوالدين محاورين جيدين مع رؤسائهما وزملائهما في العمل أما في البيت فلغة الحوار مفقودة ومستبدلة بلغة الأوامر والاستجواب: أفعل، لا تفعل، أين كنت، مع من كنت تتكلم؟.
إن أبناءنا بحاجة لمن يصغي لهمومهم وتوجساتهم وطموحاتهم وإنجازاتهم وإن صغرت، بحاجة لمن يشعرهم بتميزهم، هم بحاجة إلى أن تكون مساحة مشاركتهم اهتماماتهم والثناء عليهم أكبر من مساحة الانشغال عنهم ونقدهم.
في الختام أرفع اقتراحاً أتمنى أن يجد قبولاً من الجهات المعنية وهو أن يتم إلزام الوالدين بحضور دورة مجانية عن تربية الأبناء ومهارات التواصل معهم خلال فترة حمل الأم، وأن تكون شهادة حضورهما من متطلبات استخراج شهادة الولادة للطفل.