أبو محمد، الدكتور عبد العزيز الخويطر، منحه الله قدرة على الكتابة، مع جلد على ذلك، وقاعدة رصينة من الموروثات القديمة والحديثة، يبين على طابع كتابته، وما يبرزه من بين سطور يومياته، التي أفصح عن بعضها في آخر يوميات الجزء 27 من (وسم على أديم الزمن.. لمحات عن الذكريات)؛.....
..... حيث انتهج ذلك، وبات في تجديده في الأجزاء الأخيرة من: وسم على أديم الزمن، إذ فتح في الأعداد باباً جديداً في كل شهر، عن المهم فيه، كما نرى لديه رغبة في الاستطراد عندما قال في ص 45: علي أن أخرج عن الموضوع، لأني أحب الاستطراد، لأنه يريح الذهن، ويبدو أن قلمي تعود على ذلك فصار يسبقني إلى الاستطراد، وأبوح لكم بسرٍّ ما اللعب على لفظي العقاب والعتاب، إلا إحدى خرجاته، دون استئذان مني، أليس هو الأداة، وله حق مثل اليد التي تسيّره في حمل الراية، بل إنه في الحجاج، بورُود موقعه في القرآن الكريم أكثر من مرة، إلى آخر ما ذكر في ص 45 - 46.
وأوافقه في هذا إذ تأثرتُ به فقد سبق قلمي إلى هذا الموضوع قبل البدء من أول الكتاب والمقدمة.
وتبدأ المقدمة من ص 5 وقد قال بأن هذا الجزء يسير على نهج بقائه، في خطة متماثلة ويهدف للغرض نفسه وليس فيه من المغايرة إلا ما قد يختلف فيه عن غيره من الأجزاء السابقة: تاريخاً ووقتاً أو ظرفاً مما يبين في بعض جوانبه: التطور السريع الذي مررنا به، ولا نزال نمر به،... ولا يخلو هذا الجزء من الاستطراد ص 75. والكتاب خرج في 704 صفحة شغل المتن منها 598 صفحة، أبان فيها تاريخ الانتهاء في 15-12-1407هـ.
ومما جرت به أن تكون الخاتمة، لا شيء بعدها عن الفهارس والملاحق والصور، إلا أنه في هذا الجزء 27 زاد 8 صفحات، وهذا من استطراده، وهذه الزيادة بعنوان (النقص يكمن في الاتقان)، ولعل هذا موضوع أراد له استقلالية مكانية فأتاح لها الاستطراد بعد آخر الكتاب لأن فيها متعة.
وتاريخها 12-9-1409هـ، وبرّر ذلك بقوله هذه الكلمة كتبتها منفصلة لطولها عن مفكرة الشهر، ولكن بعد كتابتها أشير لعنوانها في المفكرة ص 589.
وقد انتهى من المقدمة بقوله: واكتفي بهذا في تقديم هذا الجزء فكل عنوان فيه يستحق أن يكتب عنه، يحلل فيها ص9.
وقد بدأ مفكرته ببيان من الديوان الملكي بدخول شهر ذي الحجة اليوم الجمعة عام 1408هـ مخالفاً للتقويم - ص10.
والكتاب مليء بالمعلومات والتي بعضها، وسوف نمر عليه، لأن الحيز لا يكفي للوفاء بالكل، والعرب يقولون: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
في ص 23 انتقل إلى بيته الذي امتلكه في جدة بمساعدة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ووصل أهله إلى جدة وسكنوا هذا البيت ص23.
وعن مذكرات هذا الشهر التي أخذ على نفسه مجدداً يلخصها: وأشار إلى أنه لم يذهب هذا العام إلى منى وقد بدأ اليوم 28 من ذي الحجة بإرسال الإعانات للسودان، وأولها الخيام والمواد الغذائية، وذكر كميات ما أرسل ص 27 - 28.
ومن ذكريات هذا الشهر حكايات عن شلهوب وطُرَفِه وهي عديدة، منها أن شلهوب كان ممن يمرون بمدن القصيم وقراها، ولا يخلو الأمر من مضايقات لبعض الناس، قال: ومعنا جيش لجب، فخرمنا إلى اللحم فسألت أحد الفلاحين، إن كان عنده دجاج، فنفى بلهجة تدل على عدم الارتياح من وجودنا، فسألته إن كان عنده دجاج فنفى أيضاً، وبنفس شينة، فذهبت أدُوُر بالمزرعة من خارج، وأؤذن أذان ديك، وفي منحنى من المنحنيات جاوبني ديك فواجهته بما اكتشفت فخجل وأعطانا دجاجاً ص 33 - 35.
وقد أعجبته أبيات فكتبها ص 38 - 39 .
وفي ص90 تم تفاهم بينه وبين ابراهيم الحون صاحب الحكايات، حيث اعتبر الجلوس معه ممتعا، وقد ترحم عليه لأنه قد مات حيث قد أقنعه أن يكتب مذكراته فكتبها فكانت من أولى المذكرات الشخصية وتباحثا في طريقة إخراجها بعد كتابتها، واتفقا على حذف ما يتعلق بالحرب الثانية التي استقاها من إذاعة لندن، لأنها بوق دعاية للحلفاء، وقد ظهرت مذكراته في خمسة أجزاء، فاختصرها إلى ثلاثة، فجاءت شيقة ممتعة لا يكاد القارئ يملها ص91.
ثم ذكر أشخاصاً أقنعهم بكتابة مذكراته وقد أسعده أن ابراهيم عاش إلى أن رأى مذكراته وحسن الاستقبال لها ص92.
وفي ص 98 سجل مرور أول باخرة عراقية من مضيق هرمز، محملة بـ17 طن بترول وأنزلت حمولتها في اليمن الجنوبي ثم عادت للعراق دون أن تصاب بسوء ص 98.
وقد قام جلالة الملك فهد بوضع حجر الأساس لتوسعة الحرم المكي يوم الثلاثاء 2 صفر 13 سبتمبر الساعة الواحدة والنصف ص100.
وفي ص 131 مفكرة هذا الشهر، والشغل الشاغل فيه البترول وأسعاره؛ حيث أخرج الصحفيين عن الخط المرسوم، وفيه مباحثات بين العراق وإيران، ومن بين ما بحث مطالبة العراق ببعض الحقوق التي ليس من السهل استجابة ايران لها 121 - 122.
والمقالة التي كتبها عن الثلاجة كتبها في جدة، ولا يذكر أين نشرت ومثلها مقالة عن المطبخ التي لا يذكر عنها الآن لما كتبت في المدينة المنورة في فندق الشيراتون ص 196 - 197 وهذا يدل على حفظه لكل سانحة من الوقت، فينتهز عدم انشغاله مع الضيف الذي هو مرافق له ليكتب عن الفكرة التي عنت له.
ولذا نراه يقول لو أن الملك عبد العزيز - رحمه الله - أخذ قلماً وورقة وكتب فيها سطرين: فلان سوف يصلكم، فلان أقضوا الأزمة، ووقع الخطاب بخط يده وأرخه، كم تكون قيمته اليوم لنا؟ فأنا أقول: الطفيف الرخيص اليوم عظيم خال في الغد ص 199 ونقول له المكرر لا قيمة له، والله يقول: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} فيمحو سبحانه، كما قال المفسرون لغو الكلام مثل: أكلت وشربت وقمت وقعدت وأمثالها، وهذه لا تكتب حسنة ولا سيئة.
وعاد للحديث عن عزة ابراهيم رئيس الوزراء السابق بالعراق وقال: يقال إنه رئيس طريقة صوفية، ولذا يحرص كلما جاء المملكة زيارة المدينة المنورة، ليزور الحجرة ويدخلها، وكان إذا دخلها لا يسمح لأحد من مرافقيه أن يدخل، وعلل هذا بالقول: لعله لا يرى أن طهارة أنفسهم ترقى إلى أن يقربوا من قبره صلوات الله وسلامه عليه ص 202.
وأزيده كما قيل إلي أنه من البادية، وفي مذكرات الشهر أبرز ما فيه خطاب ياسر عرفات في وسائل الإعلام بجنيف إنشاء الدولة الفلسطينية، كما رفضت أمريكا دخول عرفات لإلقاء خطابه، ومع ذلك اعترفت أمريكا بمنظمة التحرير، وفيه مقتل أحد أفراد السفارة السعودية في بانكوك تايلاند، وقبله مقتل موظف بالسفارة الباكستانية وثالث في تركيا ص 226.
وفي حصاد هذا الشهر ذكر قصة تنبئ عن ذكاء الملك فيصل وسرعة بديهته ورده العاجل المفحم حكاها له رجل مع الملك فيصل، بأنه أعطاه مالاً، وقال له: إن احتجت زيادة فراجع فلاناً - شخص سماه له - في بيشة فاحتاج وراجعه فاعتذر ودارت الأيام، وتولى الملك فيصل فجاء المهنئون والمبايعون ومن بينهم ذلك الرجل فقال للملك بعد السلام عليه: يا طويل العمر ان بد اللازم فحنا في الخدمة، فرد عليه في الحال بما معناه لما بدت حاجتنا تعذرت 7.
ذكر عن أسرة الذكير الذين كان لهم سمعة كبيرة ومكانة حتى أنه يوصف في نجد بحوالة الذكير وموطن تجارتهم في البصرة بالعراق، وأن هذه الأسرة انتقلوا من البصرة إلى الدمام والرياض، كما انتقلت أسر نجدية من بغداد للمملكة بعدما انتعشت التجارة بالمملكة ص 240.
ولم يدون في مذكرة هذا الشهر إلا خبراً واحداً وهو عائلي قد لا يهم القراء، ثم أتبعه بآخر وهو عن الاعلام، وما قيل عنه من تناقضات ص 242.
ومذكرات الشهر الذي يسبق الجنادرية واحتفالاتها، فقد خصص عن عبد الكريم الجهيمان الأساطير الشعبية، وقصة بصفحات خمس 373 - 377 وفي مذكرة الشهر الذي يليه قرأ كتاب مقالات لعلي الطنطاوي، وكتابه الثاني قصص من الحياة، وقال عنه: وكتبه تدل على الروح الأخاذة التي تجعله مسقط جاذبية عجيبة ص 321.
وفي ص 329 وما بعدها يتحدث عن زراعة القمح واستنزافه المياه، ومساعدة الفلاحين وما عملت الدولة من المساعدات وتقليصها إلى ص 330 ومذكرات الشهر هي من تجديده فيما يطرح من معلومات مفيدة، في بعضها ثم يخبر عن الكتب الذي قرأ.
وقد ختم متن هذا الكتاب بقوله: هناك حد عند العربي يبين ما يفصل الحلم عن البلادة والحلم عن النخوة والعزة والكرامة.
والعربي لا يقبل الإهانة، ولهذا لا يعرف عن أحد أبرز رجالها أنه شتم لأنها بمكانتها مصدر فخره واعتزازه وسبها ووصفها بالناقصة فلا يرضى بذلك، بل يدعو لها ويعطي الجزاء الجزل الثواب الوافي ثم ختم كتابه بالتاريخ 15-2-1407هـ ص 598.
ثم من ص 600 تبدأ الصور؛ فالأولى وضع التاريخ من 15 - 16-3-1409هـ إلى ص 927 كلها صور، أما الفهارس فتبدأ من ص 629 إلى ص 699، وهي فهارس الموضوعات من ص 629 إلى ص 667، وبعدها فهارس الأعلام من ص 670 إلى ص 692، ثم فهرس الأماكن من ص 693 إلى ص 699.
يلي ذلك كالمعتاد نبذة فيها ترجمة للمؤلف أو نسميها سيرة ذاتية تعرف بالمؤلف في ص 701 وهذه الأشياء أشرنا إليها عاجلاً؛ لأنها لا يهتم بها كثير من القراء.
ويلي ذلك في صفحة سرد فيها التعريف بسيرته الذاتية، حيث ولد في مدينة عنيزة عام 1344هـ - 1926م بالقصيم في المملكة العربية السعودية، مع ملخص لأعماله التي تناولها وهي أعمال حافلة بالجهد والعمل والانتاج ولا يزال على رأس العمل والعطاء أمده الله بالصحة والعافية.
وكالعادة يعرف بكتبه التي صدرت بينها في صفحتين وهما آخر الكتاب، ويبلغ عدد عناوينها 26 عنواناً وبعضها أجزاء، ومنها ما هو باللغة الانجليزية، وما ذلك إلا أنه حفظ وقته فجعل الله فيه بركة وإنتاجاً ثراً.
أما صورة المؤلف والتعريف بكتابه هذا ففي الصفحة الأخيرة من الغلاف، ولا ندري هل التعريف به منه أو من الطابع والناشر سردها؛ أما الطابع فهو مطبعة سفير بالرياض، وهي متكررة مثل ما جاء في السابقات من مذكراته.
ومع نهاية الكلمة وصلني الجزء 28 من هذا الكتاب المليء بالذكريات، وقد خصصه للعامين 1410 - 1411هـ وعلى ذلك فإن هذه الذكريات ستكون من أطول ما عرف من السير الشخصية أعانه الله على تكميلها.
mshuwaier@hotmail.com