) اليتم هو فقد أحد الوالدين قبل البلوغ.. وهي كارثة إما أن تحرق اليتيم كالخشبة حتى يتحوّل إلى رماد لا فائدة منه وبالتالي لا أهمية له.. وإما أن تصقل روحه كالذهب فتزيل ما يكدره وتقوي معدنه وتزيد من أهمية تأثيره في محيطه.. وقليل منهم من يبقى بين المعادلتين.
) فَقْد أحد الأبوين يولِّد لدى الطفل حالة مجتمعية مختلفة كأقل وصف وهو يتلقّى تلك النظرات الحانية المشفقة.. ولذلك ينمو لديه شعور بالنقص يكون في الغالب دافعاً قوياً للنجاح.. ولعل المطلع على من حوله سوف، يجد أنّ معظم من فقد أحد أبويه في صغره اتسمت سلوكياته وأفعاله بنوع من النبوغ الذي يفتقد إليه أقرانه.
) فَقْد الأم منذ الطفولة نتيجة اليتم أو الطلاق يخلق في عقل وقلب الطفل الصغير فراغاً معرفياً وحسِّياً كبيراً.. فهو مثلاً لا يمكن أن يدرك سبب هذا التبجيل الكبير للأم في الدين وأدبيات المجتمع.. ولا يعرف الجانب الناعم من الأبوّة ممثلاً في الأمومة.. هذا الفراغ المعرفي والحسِّي له نتائج مؤثرة في شخصية الفرد الفاقد لأحد أبويه.. فهو مثلاً في طفولته يعجب أشد العجب من الطفل الذي لا ينام حتى يحتضن شيلة أُمه أو يغطي بها رأسه.. وفي مراهقته يعجب أشد العجب من المراهق الذي يتلهّف إلى لقاء أُمه إنْ فارقها.. وفي شبابه يعجب من الشاب المنفلت الذي يريد أن يفرّ من الدنيا بما فيها إلاّ أَمه.. وفي كبره ينظر بدهشة إلى الرجل الكبير الذي يتعامل مع أبيه بعقله ومع أُمه بقلبه.
) يقول العلماء إنّ فجيعة الموت هي المؤثر الأكبر على الدماغ.. وحيث إنّ الدماغ كالقلب وكلاهما جهاز طاقة.. فالفجيعة في تأثيرها على الشخص أشبه ما تكون بالطاقة التي تقذف بها ذرّات اليورانيوم نتيجة تدخُّل خارجي، فتتحوّل من طاقة كامنة إلى طاقة متفجِّرة وهو ما يحدث للعباقرة من المبدعين.. نعم يوجد عباقرة في جميع فنون الإبداع ليسوا من الأيتام.. لكن أغلب العباقرة العظام من المخترعين والأنبياء والمصلحين والقادة الذين تركوا بصماتهم على مسار الحياة البشرية كانوا أيتاماً.
) يقال في الدراسات التحليلية إنّ تأثير اليتم يكون أعظم كلما كان في مرحلة مبكرة من العمر.. وكلما تقدم الفرد في السن قلّت فجيعة اليتم عليه.. وبالتالي قلّ تأثيرها على تحفيز عقله للانطلاق في سماء الإبداع حتى يصير شعاعاً فينير نفسه ومحيطه.