تحت قبة الجزيرة أشار معالي وزير العمل إلى 11 كلية لإعداد الفنيين المهرة ستبدأ عملها قريباً وبالتدقيق في التفاصيل اتضح أنه يقصد خصخصة كليات تقنية قائمة. ربما يعترض على مصطلح التخصيص لكن ماذا يعني تولي القطاع الخاص إدارة الكليات مقابل دفع الدولة رسوم لكل طالب يلتحق بتلك الكليات. الفكرة في ظاهرها النظري جيدة عندما نفهم أن مخرجات الكليات سينتهي بالتوظيف، لكن يجب أن نفحص الأمر من ناحية أكاديمية وعملية على المدى البعيد.
هل يوجد لدينا مؤسسات خاصة متمكنة في التدريب بشكل يفوق ما تقدمه مؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني في الوقت الراهن؟ أم أن الأمر سينتهي بتلك الكليات لأن تصبح تدريبا مهنيا متواضعا تقوم به مؤسسات غير متخصصة؟ لقد بدأت المؤسسة مثل هذا الأمر في المعاهد المهنية كأن تقوم شركة أطعمة سريعة بتولي التدريب في مركز مهني. لست أتحدث عن تعاون (مشترك) في التدريب أو السماح للقطاع الخاص بافتتاح معاهده وكلياته، بل عن تسليم الكلية/ المعهد بكامله لمؤسسة خاصة.
هذا يعني أنها ستخرج عاملون يعملون في فروعها المختلفة وبعد فترة لن تستوعبهم فروعها وسنجدها أمام أمرين، إما تقليص الأعداد أو تخريج أناس لا وظائف لهم. كما أنها ستحد من تنوع فرص التوظيف للخريج لأنه سيتم تدريبه على عمل في مؤسسة واحدة وليس تدريبه على مهنة يستطيع أن يعمل بها في أكثر من مؤسسة. فضلاً عن كونه يهدم جهود سنوات طويلة من إعداد بنية تدريبية حكومية متميزة. لا أدري هل ناقشت وزارة العمل تلك الخطوات بمجلس الاقتصاد الأعلى ومجلس الشورى باعتبارها خطوات تخصيص في واقعها؟
إن أحد مشكلات التعليم الفني التي سبق أن أشرت إليها تكمن في عدم استقراره الأكاديمي التدريبي حتى غدا بلا هوية واضحة، فقد أصبح حقل تغييرات وتجارب متسارعة في مسمياته ومستوياته ونماذجه. صدقنا بأن نوع المخرجات هو السبب الرئيس في عدم حصول الخريجين على وظائف فأصبحنا نغير ونجرب بشكل متسارع. لا أنكر بأن ضعف المخرجات لعب ويلعب بعض الدور في عدم توظيف الخريجين لكن الحقيقة هي أن سياسة التوظيف وعدم فاعلية برامج السعودة وفتح باب الاستقدام على مصراعيه كانت الأسباب الرئيسية في عدم توظيف المخرجات. ولكي أدلل على ذلك أسألكم هل تتذكرون المعهد الملكي الصناعي بالرياض، وهو أحد المعاهد المتميزة التي طمست هويتها مع تغييرات مؤسسة التعليم الفني؟ كان خريجو المعهد يوظفون بشكل مباشر، بل إنهم كانوا يوجهون بشكل شبه إجباري للعمل في القطاعات العسكرية في فترة من عمره. وفي الوقت الراهن كلية الجبيل وينبع التقنية الصناعية تعتبر نموذجا جيداً فلم تميزت عن باقي كليات التقنية؟ التميز جاء بجودة الأداء وتميز المناهج والتدريب وليس بالخصخصة. هذا يعني أن نموذج الكليات التقنية ليس فاشلاً بقدر ماهي بحاجة إلى تطوير أدائها، وعليه فإن الحل ليس في البدء من الصفر عبر برامج خصخصة مشكوك في نجاحها، بل تطوير الأداء في الكليات القائمة والاستفادة من النماذج الناجحة.
أعتقد أنه لم يعد مقبولاً إشراف وزارة العمل على التعليم والتدريب التقني. آن الأوان لأن ترفع وزارة العمل يدها عن مؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني، فهي وزارة توظيف واستقدام وليست وزارة تعليم وتدريب. وإذا كان لابد من إشراف وزاري على المؤسسة فليكن عبر ربط مجلسها بجهة ذات علاقة كالتعليم العالي مع احتفاظها باستقلاليتها كمؤسسة تدريب وعدم دمجها بالجامعات.
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm