يبدو أن النار تحت الرماد، وأن ثمة مشاكل متشابكة ومتداخلة في حياة الأسرة السعودية، مؤشر ذلك عندما تكتب عن المشاكل الزوجية والأسرية عموماً تلاقي كتابتك تفاعلاً كبيراً واهتماماً واضحاً.
الخلع ومن ثم العضل مقالتان سبقتا هذه المقالة ناقشت من خلالهما ما توقعت أنه حالة يجب علاجها بشكل مختلف عما هو قائم وسائد، حتى وإن أخذ شكلاً قانونياً، إلا أنني أرى أن تدخل
الفقهاء والعلماء أمراً بات ضرورياً كوننا نعيش مرحلة حضارية مختلفة.
مقالة اليوم لا تختلف في مجملها عن سابقتيها كونها تعد هماً نسائياً بالدرجة الأول وأسرياً عموماً، تلكم هي قضية حضانة الأولاد، وأعني حضانتهما حال تفرق الوالدين نتيجة الطلاق.
ماذا قال الفقهاء في الحضانة؟ نقرؤه قبل أن نطرح المعاناة التي نلمسها في مجتمعنا.
الحضانة: هي حفظ من لا يستقل بأموره، وتربيته بما يصلحه.
وهي تقتضي حفظ المحضون وإمساكه عما يؤذيه، وتربيته لينمو، وتعهده بطعامه وشرابه، وغسله، وغسل ثيابه، ودهنه، وتعهد نومه ويقظته.
والحضانة واجبة شرعاً، لأن المحضون يهلك بتركها، فوجب حفظه عن الهلاك، وهذا الوجوب كفائي عند تعدد الحاضن، وعيني إذا لم يوجد إلا الحاضن، أو وجد ولكن لم يقبله الصبي.
وهي حق للحاضن غير المتعين، فإن امتنع عنها لم يجبر عليها، ولو أسقط حقه فيها سقط، وانتقل الأمر إلى من بعده.
وحضانة الطفل تكون للأبوين إذا كان النكاح قائماً بينهما، فإن افترقا بموت الأب أو الطلاق، فالحضانة لأم الطفل اتفاقاً.
إذاً نفهم من ذلك أن الحضانة أمراً واجباً شرعاً لحفظ المحضون، ولكنها تنتقل من شخص لآخر حسب الظروف وحسب الحاجة، وإلا أمر وجود الحاضن لا نقاش ولا جدال فيه.
وقضيتنا التي نحاول أن نعيد طرحها بغية تحريك ماء راكد منذ أمد بعيد أثر سلباً على حياة المرأة المطلقة وأربك حياتها وهدد مستقبلها، إنه حقها في حضانة أطفالها، أعلم قول الفقهاء في المذاهب الأربعة وأعلم الخلاف والهوة الواسع بين أقوالهم والتي أرى لو أن فقهاء هذا الزمان أعادوا قراءة هذه الآراء لوجود ما يلبي حاجة العصر الحاضر، ولكن المشكلة التي تعاني منها المرأة اليوم السير على رأي مذهب واحد أرى من وجهة نظري أنه يحتاج إلى مراجعة نظراً كما أسلفت إلى تغير الزمان ولوجدوا في المذاهب الأخرى أقولاً تتوافق مع هذا العصر.
من الأقوال المشهورة:
الحنفية: تقدم الأم، ثم أم الأم، ثم أم الأب، ثم الأخوات، وتقدم الأخت من الأب والأم، ثم الأخت من الأم، ثم الأخت من الأب، ثم الخالات، ثم العمات، فإن لم يكن للصبي امرأة من أهله تستحق الحضانة، واختصم فيه الرجال فأولاهم به أقربهم تعصيباً. فيقدم الأب ثم الجد ثم الأخ.
المالكية: وذهبوا إلى أن الأحق بعد الأم: أم الأم، وإن علت، ثم الخالة، ثم خالة الأم، ثم عمة الأم، ثم الجدة من جهة الأب، وتشمل: أم الأب، وأم أمه، وأم أبيه، ثم الأب، ثم الأخت (أخت المحضون)، ثم عمة الأب، ثم خالة الأب، ثم بنت أخ المحضون، ثم بنت أخته. ثم الوصي... إلخ.
الشافعية: ويرون أن الأحق بالحضانة بعد الأم - إذا كان الحواضن إناثاً فقط -: أمهات الأم الوارثات فتقدم القربى فالقربى. ثم أم الأب، ثم أمهاتها المدليات بالإناث، ثم أم أبي الأب، ثم أم أبي الجد، ثم الأخوات، ثم الخالات، هذا على الجديد من مذهب الشافعي، وعلى القديم: تقدم الأخوات والخالات على أمهات الأب والجد. ثم بنات الأخت وبنات الأخ، ثم العمة. وتثبت الحضانة لكل ذكر محرم وارث، على ترتيب الإرث، فيقدم أب ثم جد ثم أخ شقيق وهكذا. وإن اجتمع ذكور وإناث قدمت الأم، ثم أم الأم وإن علت، ثم الأب، وقيل تقدم عليه الخالة، والأخت من الأم أو الأب أو هما. ويقدم الأصل الذكر والأنثى وإن علا على الحاشية من النسب، كأخت وعمة لقوة الأصول، فإن فقد الأصل وهناك حواش، فالأصح أن يقدم من الحواشي الأقرب فالأقرب، ذكرا كان أو أنثى. وإن استووا في القرب فالأنثى مقدمة على الذكر كأخ وأخت.
الحنابلة: وقد ذهبوا إلى أن الأحق بالحضانة بعد الأم أمهاتها القربى فالقربى، ثم الأب، ثم أمهات الأب، ثم الجد، ثم أمهات الجد، ثم الأخت، ثم الخالة، ثم العمة، ثم بنات إخوته وبنات أخواته. تقدم من ذلك من كانت لأبوين، ثم من كانت لأم، ثم من كانت لأب، ثم تكون الحضانة لباقي العصبة الأقرب فالأقرب.
من أقوال الفقهاء يتبين جلياً أحقية المرأة في حضانة المحضون حتى وإن بعدت وهذا إدراك بأهمية المرأة في حياة الطفل حتى وإن كانت غير أمه أو جدته أو أخته، كونها أكثر رأفة وأكثر اهتماماً من الرجل.
تقودنا هذه الأقوال لما هو حاصل لدينا مع بعض قضايا الحضانة، حيث تؤخذ الحضانة من الأم وتعطى الأب دون سبب وجيه إلا أن البنت مثلاً بلغت سبع سنين ووالدها يطالب بها فتعطى له على الرغم من أن الأم لم تتزوج ولديها القدرة النفسية والجسدية والثقافية والمادية لبقاء ابنتها في حضانتها! واقع حقيقي تعاني منه المرأة المطلقة وبسببه تعيش حالة نفسية مدمرة.
حضانة الأم بكل المقاييس إلا ما ندر أفضل بكثير من حضانة الأب، بل هي الحضانة الحقيقية، فالأم حضانتها مادية ونفسية وجسدية، فهي الأقدر على التفاهم مع ابنتها، والابنة لا يمكن أن تبوح بما تكنه نفسها إلا لأمها، ولا يكمن أن تتحاور مع والدها في شؤونها وخلجات نفسها، أمر مؤكد.
ما أريد أن أصل إليه تشريع صريح وواضح يكفل للأم حضانة أطفالها ما دامت قادرة عاقلة ولديها الرغبة في ذلك، وأن لا نجعل الأمر يخضع لتقديرات القضاء وضغوطات الرجال.
حالات كثيرة أزهقت فيها الأرواح بسبب الحضانة المفرطة، وحالات أخرى ضاعت فيها الفتيات بسبب منح القضاء لدينا الحضانة فيما بعد السابعة للأب!
لا أشكك في القضاء ولكنني أكره الجمود وعدم قراءة الواقع بكل تجرد وواقعية.
ولأجل أن تتضح الرؤية أكثر أسوق مثالاً على حالات الحضانة الخطأ، أم متعلمة واعية عاقلة ذات وضع مادي ممتاز ولم تتزوج، ووالد يعيش وضع مادي ضعيف ومستوى ثقافي كذلك ومتزوج، ومع ذلك تنتزع البنت من أمها وتعطى لأبيها بحجة بلوغها السابعة من عمرها!! أليس هذا يتنافى ومصلحة المحضون؟!
إن إعادة قراءة مثل هذه القضايا وسن تشريعات لا تتيح لأي مجتهد الاجتهاد أمراً بات مطلوباً اليوم أكثر من ذي قبل.
والله المستعان,,,
almajd858@hotmail.comتويتر: @almajed118