في أوقات الراحة والاستقرار ليس من السهل أن تكون كاتباً ملتزماً بزاوية يومية أو أسبوعية فما بالك حين تكون في حالة من عدم استقرار الأوضاع والضجيج المستمر، يبدو الأمر أصعب، سواء كان ذلك على المستوى الفردي أو العائلي ويصبح الأمر أكثر تعقيداً حين يمتد إلى العالم الخارجي..
بما أنك امتهنت الكتابة فهذا يتطلب منك الاقتراب كثيراً من القضايا اليومية ومن ثم القضايا العامة أو السياسية، ومن يعتقد أنه يستطيع أن يحيا بمنأى عن السياسة فهو مخطئ جداً، ربما يحاول النأي عنها بعدم التفكير أو بعدم التعاطي مع الآخرين هنا وهناك في الحديث حولها لكن هذا لايعني إطلاقاً أنها ستتركه هي! وربما يكون هذا مصداقاً لعبارة جورج أورويل (في عصرنا لايوجد شيء اسمه بعيداً عن السياسة، كل القضايا هي قضايا سياسية)!
كانت ولازالت السياسة جزءا من حياتنا اليومية ينعكس أثرها على الفرد والمجتمع من خلال شبكة من العلاقات المتصلة ببعضها البعض، بعضها ظاهر وبعضها خفي، بعضها حاضر وبعضها يمتد إلى المستقبل لكن لابد أن تملك رؤية شاملة لما حولك لترى هذا الأثر وإذا كنت كاتباً محترفاً للكتابة يتطلب هذا منك أن تكون كتابتك مرآة تعكس مايحدث حولك على مستوى الوطن ومن ثم العالم بأسره، وقبل هذا وذاك لابد أن تملك المعلومة الصادقة التي تستند عليها في تحليلك .. لكن أي معلومة تريد والسياسة حولنا تضج بالكثير من المتغيرات؟! فعلى سبيل المثال تلك الدول التي مرت بالثورات (تونس، مصر، ليبيا) لاتزال تعيش ضجيجاً وصخباً وأوضاعاً غير مستقرة تحاول من خلاله استعادة هدوئها ومعرفة ملامح زمنها القادم، يبدو على السطح مؤخراً ارتفاع حرارة “حمى” السياسة في مصر (حتى كتابة هذا المقال).. كنت أتأمل الأوضاع وأحاول قراءة ومشاهدة الأحداث عبر وسائل الإعلام بما أشعرني بالقلق وبما يشبه الدوار.. حضرت في ذاكرتي عبارة ساخرة (دوخيني ياليمونة!) وهي عبارة معروفة لدى الشعب المصري تذكرتها وابتسمت وحاولت قدح ذاكرتي متسائلة متى عرفت العبارة أول مرة؟!
ياللمصادفة! قرأتها في رواية سياسية لنجيب محفوظ بعنوان (يوم مقتل الزعيم) والتي كانت تدور أحداثها حول المشهد السياسي لليوم الذي قتل فيه أنور السادات.. المصادفة الأخرى التي أتذكرها جيداً أنني قرأت الرواية لأول مرة ذات عيد أضحى وهو ذاته الزمن الذي قتل فيه السادات.. اللهم اجعل نهاية هذا الصخب والضجيج الذي يعمّ العالم خيراً وكن في عوننا على ماسنشهده من تحولات.
(نومٌ قليل وفترة انتظار ثملة بالدفء تحت الغطاء الثقيل، والنافذةُ تنضحُ بضياء خفيف ولكنهُ يتجلّى بقوة في ظلام الحجرة الدامس، اللهم إني أنام بأمرك وأصحو بأمرك وأنك مالك كل شيء..).. مقطع من رواية “يوم مقتل الزعيم”.