لقد كان تكريم عنيزة لمعالي وزير المواصلات الأسبق الدكتور ناصر السلوم مبادرة رائعة وفكرة ناضجة لا يمكن أن تحدث إلا في المجتمعات الراقية والأمم المتحضرة التي تنشد الوفاء لأبنائها المخلصين والذين تفانوا في خدمتها وهي بذلك تقترب من فكر (المدينة الفاضلة) التي أقام أسس فكرتها المفكر اليوناني الشهير (أفلاطون).
والأجمل من ذلك والأهم أن يتم التكريم في مدينة أخرى ليست منشأ المكرّم ولا مسقط رأسه وأن يتم التكريم من رجل لا ينشد مصلحة مادية من هذا التكريم ولم يستفد شخصياً من المكرّم. ولقد شدّني ما قرأت في العدد (14658) الصادر أول يوم من العام الهجري الجديد 1434وكان ذلك بعنوان (وزير المواصلات السابق تدمع عينه تأثراً للمسة وفاء أهالي بريدة) وكان ذلك في حفل التكريم الذي أقامه الوجيه المعروف الأستاذ عبدالله بن سليمان الرواف وإخوانه تكريماً لمعالي الدكتور ناصر السلوم وقد تميز هذا التكريم بثلاث ميزات:
1 - إنه تم بعد سنوات من تقاعد الدكتور ناصر السلوم وهذا يعني أن ليس هناك مصلحة مادية أو تزلف يرجى من وراء هذا التكريم وهو بعيد عن أي شبهة مصلحية، وإنما هو الوفاء من رجل اعتاد على الوفاء لرجل بذل وكابد العناء وبذل كل جهده وفكره لخدمة بلاده التي تشبه القارة المترامية الأطراف، ويندر أن يقوم رجل بتكريم مسؤول بعد تقاعده وهذا التكريم دليل نضج اجتماعي واهتمام بالشأن العام قبل الخاص فما الذي يدعوا رجلاً لتكريم مسؤول تميز في عطائه وبرز في أدائه إلا الإخلاص لهذا الوطن وأن تنتهي الأفكار المعلبة التي تضع ألف شبهة أمام أي مبادرة لمخلص أو عمل جاد وتضع أمامه ألف عائق, إننا بمثل هذا التكريم نسمو بتفكيرنا ونعلو بقيمنا نحو الأهم والأعم بدلاً من الأخص.
2 - إن تأثر معالي الدكتور ناصر السلوم ودمعته دليل أكيد على إخلاصه ووطنيته فلو لم يكن مخلصاً يشتعل من داخله اهتماماً وحباً في العمل المتميز لما دمعت عينه ولما ألقى بالاً لهذا التكريم، وهي دليل على أن كل مدن المملكة ومناطقها لا فرق بينها، كما أن تأثر الدكتور السلوم لهذا التكريم دليل آخر على أن هذا التكريم استثناء في التكريمات وعدد متميز في احتفالات الوفاء، فلم يكن متوقعاً أن تقوم مدينة أخرى غير المدينة التي نشأ فيها الوزير بتكريمه.
3 - أن معالي الدكتور ناصر السلوم رجل يستحق التكريم فعلاً وعلى أعلى المستويات فهو رجل من رجال البناء وقد كان لخططه وتصميمه أثر بارز على البنية التحتية لطرق المملكة ويندر أن توجد طرق بمثل هذه المواصفات العالية والتجهيزات المتكاملة, فالطرق هي شرايين التنمية والاقتصاد ولو تم تنفيذ طرقنا بمواصفات أقل لعانت مدننا من اختناق لاقتصادها ولقل التبادل الاقتصادي بينها ولعانى المسافرون الأمرين بينها؟
وخلاصة الأمر أن الدكتور السلوم هبة من الله لهذه البلاد ومن حسن حظها أنه جاء في فترة بناء البنية التحتية لشبكة الطرق فبناها أحسن بناء وسن من القواعد والأسس ما لا يمكن نسيانه؟
وفي الأخير أناشد معالي الدكتور ناصر السلوم أن يكتب تجربته الإدارية والفنية في كتاب يطلع عليه العامة من مواطني هذه البلاد والذين يسيرون على هذه الطرق وربما يتساءلون عن ما بذل في سبيل إنشائها من تخطيط ومال وتنفيذ والبعيد منهم ربما يتصور بساطة ذلك؟
كما أتمنى أن تكون هذه التجربة دليلاً وفكراً يستفيد منه المسؤولون عن هندسة الطرق وتخطيطها وتنفيذها من مسؤولين ومهندسين.
أثق أن معالي الدكتور السلوم لن يبخل علينا بذلك فتجربته الإدارية والهندسية ملك للجميع واثق أنه سيبادر بذلك.
Arac433@hotmail.com