(1)
مولدي.. متى كان:
* سئلتُ مرةً عبر لقاء أدبي: متى وُلدتَ؟ فقلتُ: (أماّ عن مولدي متى كان، فلا تسَلْني، لأن عمري هو ما بقيَ لي من عُمر في اللوح المحفوظ، أمّا ما مضىَ منه، فقد باتَ فـي ذمّة الأمسِ.. بفرحه وترحه، ونُوره ونارِه، وسَعادتِه وسَقَمه)، هكذا كان ردّي، وهكذا سيبْقَى، فالعمرُ هو اللحظةُ التي أعيشُها، لا تلك التي اصطحبَتْها رياحُ أيامي، وهو اللحظةُ التي يقْترنُ حضورُها في حيَاتي بإنجازٍ.. يدّرُّ لي خيْراً أو يدْرأ عني شراً!
(2)
القاهرة.. التي كانت:
* كتبتُ مرةً عن القاهرة.. بعد هجْرٍ لها دامَ نحو سبْعة عشر عاماً، فقلت:
* غَزاكِ (الترهّلُ) يا قاهرةَ المعزّ، وكنتِ قبلئِذٍ حُسَناً يقْطر فتْنةً، وفتْنةً تفوحُ عِطْراً!
* تلوَثتْ أنْفَاسُك بدُخَان البَشَر والآلاتِ.. وكنتِ قبلئذٍ لا تَتَنفسَّين إلاّ طِيباً!
* عَبَثتْ بوجْنتْكِ (اخاديدُ) القطارات.. وأعمدةُ الجسُور المعلقة تخترقُ خريطةَ جَسدَكِ في كلَّ الاتّجاهات، وكانت شوارعُك الكُبرى (تَغْتسلُ) في آخر كل ليل بالماءِ والصَّابون!
* كان أهلُك وما برحُوا يعللَّون ما نالك من نوائب التغيير بأن للضَّرورةِ أحكاماً، وإلاّ تحّولتْ شَوارعُك المترَّهلةُ إلى كُتِلٍ متَلاصقةٍ من البشر والسيَارات!
* ثم اشْتعلَ خَاطري خيَالاً بفتنةِ التعليق نيابةً عن القاهرة، وخِلتُها لحْظَتئذٍ تقولُ: عَدَتْ عليَّ نوائبُ الزمان أيها الصديق، فاطْفَأت الضوءَ في مُقْلتيّ، وانْتزَعتْ السَّحرَ من أنْفَاسي.. وصِرْتُ إلى ما صِرْتُ إليه! تجاَوزَ عددُ (أولادي) الاثنيْ عَشَر مليوناً في الليل، وأكثرَ من ذلك قليلاً في النهار، وكنتُ قبْلئذٍ أحتضنُ مليونيْن، وزيَادةُ عبءِْ الدَّار.. تعني زيادةَ عبْءِ ربَّة الدار، إيَواءً وغَذِاءً وحراسةً ونَقْلاً! وكان لابدّ لي، شأنُ كل أُمَّ رؤُوم، أنْ (أشْقَى) برفَاهيّة أوْلاّدي.. كي يَسْعُدوا!
* دفعتُ الثّّمنَ.. من صِبَايَ.. ومن شَبَابي.. فصرْتُ إلى ما صِرْتُ إليه! فكيفَ تُريُدني أن أكونَ شَيْئاً غير ذلك ؟!
* قلتُ لـ(القاهرة) معقَّباًً:
* بالرغم من سَطْوةِ الزَّمن.. وهَدِير البَشرَ وصَخَب وسَائل النَّقل، تَبقيْن يا قاهرةَ المعزّ مُرتَاداً لمحبَّيكِ يُؤْنسُهُم غبَارُكِ ودخانُكِ.. وضجيجُ إنْسَانكِ، مثْلمَا كان يُؤنسُهُم سِحْرُ أنفَاسِك! السَّرُّ فيكِ أنتِ.. لا فيمَنْ يحبُّكِ!!
(3)
حرية التعبير إعلامياً.. إلى أين ؟
* لازمني خلال مسيرتي الكتابية سؤالٌ يتَراَكمُ حوله خلافٌ طويلٌ الأمدِ، متعّددُ الأبْعادِ حول حريةِ الكاتب وهامشِه المتاحِ وغيرِ المتاح فـي التعبير:
أ) فهناك مَنْ يعتقدُ بوجود خطوطٍ حمراء وشبه الحمراء تحدُّ من حرية الكاتب في التعبير، وهذا صحيحٌ في أكثر من مكان وزمان.
ب) وهناك مَنْ يَرى أن الأمرَ نسبيُّ القياسِ، بمعنىَ أن حريةَ التعبير تخْضَعُ لثَوابتَ ومتغيراتِ الحكْمِ الشخصيّ لهذا المرء أو ذاك، سواءً كان كاتباً أو قارئاً أو رئيسَ تحرير أو مسئولاً عن الرقابة الرسمية أو المجتمع ككل بجماعاته وأفراده.
* أمّا كاتبُ هذه السطور فيَرى أن حريةَ التعبيرِ الإعلاميّ مثل السُّلطة في عُرف الإداريين، تُؤْخذُ أحيَاناً ولا تُعطَى، ورئيسُ التحرير، يستطيعُ على نحوٍ أو آخرَ أن يكيَّفَ هذا الأمرَ (برجْمَاتياً)، فيُهمَّشَ مساحةَ التعبير بالقدر الذي يجنَّبُه شرارةَ الاصْطدامِ مع مصدر الضوابط، وقد (يبالغ) رئيسُ التحرير حيناً فـي ممارسة سلطة التَّهميشِ هذه إلى حدَّ مصادرة حُريةِ التعبير في مطبوعته، وقد يوسَّع هذا الهامشَ بذكَاءِ المهنْة، ومهَارةِ القيادةِ، فينعكسَ هذا التوجُّهُ إيجَاباً على المطبوعةِ التي يتولى أمرَها، لتَطرحَ ما ينْفعُ الناس ولا يضَرُّها!