المتابع للمشهد السعودي سيلحظ باستمرار ارتفاع وتيرة النقاش على موضوع لا تمل الجموع السعودية أين كان توجهها من الخوض فيه ومحاولة تجميع المؤيدين له وتأليب القوي للوقوف حول ما تراه مضادا لطروحتها وخاصة التيارات الصحوية وهو موضوع المرأة.
ومشكلة وزارة العمل أنها وقعت كطرف ثالث في معادلة اجتماعية ثقافية لا يجب أن تكون من ضمن أجندتها التي كان يفترض منطقياً أن تركز على استحثاث سوق العمل ومشكلات التوظيف وإعانات البطالة وغيرها من القضايا ذات الطابع الاقتصادي لكن شاء لها الله أن تتحول في كثير من جهودها لتعالج مشكلات ذات طابع اجتماعي وثقافي مثل توظيف المرأة أو محاربة التستر أو السعودة الوهمية وغيرها من المشكلات التي أتوقع أن وزارة العمل بحاجة إلى مستشارين في الشأن الاجتماعي والثقافي حتى يتمكن مهندسوها ومتخصصوها الاقتصاديون من التعامل معها.
وقضية توظيف المرأة هي بلا شك من أصعب الملفات التي أدارتها هذه الوزارة بكثير من الذكاء والحساسية وتمكنت رغم الرياح العاتية التي اجتاحتها ولا تزال من إدارتها بهدوء منفذة بذلك التوجهات الإستراتيجية الوطنية في مجال سعودة الوظائف خاصة، وحين نعود ونتذكر أن الوزير هنا يصدر قرارات تنفيذية لسياسات عليا أقرها مجلس الشورى ومجلس الوزراء ولا يضع هو نفسه أو وزارته هذه السياسات ولكن من يرحم..؟؟
نحمد إذن لهذه الوزارة عملها الدؤوب الذي ظهرت ملامحه على وجنات الوطن من خلال عثور مئات آلاف من النساء المحتاجات إلى عمل يقيهن شر الحاجة أو السؤال ولنتذكر أن أكثر من 80% من المسجلين في حافز الآن هم من النساء وان اكثر من نصف هؤلاء النساء يحملن الشهادة الجامعية وان الحاجة للعمل لا ولن تقتصر على الرجال ما بقينا على هذه الأرض.
ومن ضمن المجالات التي دافعت عنها الوزارة ودخلت في حروب طويلة معها هي قضية تأنيث المحلات النسائية.. واليوم وأينما تدخل تجد يداً نسائية سعودية بكامل غطائها الشرعي تبيع وتدبر وتنظم وسيأتي يوم تملك وتدير أقساماً كاملة غير أننا وحتى نساعد هؤلاء النساء على الاستمرار فهن يحتجن إلى دعم معنوي ومادي؛ إذ جميل أن يتوظفن ولكن والأجمل أن يتمكن من الاستمرار في الوظيفة.
هناك تحديات واضحة تواجههن ومن يتعامل معهن في داخل المحلات يدرك ذلك مباشرة، وأولها عدم قدرتهن على مباشرة الزبون والحديث معه وإقناعه بالسلعة لكي يشتريها عكس الإخوة المتعاقدين من لبنانيين وسوريين من الذين لا زالوا على رأس العمل، فهو يتقدم نحوك حاملاً بضاعته من عطور أو أدوات تجميل متحدثاً بلغة مهنية واضحة ومحاولاً إقناعك بتجريب هذا وذاك وعارضاً درجات متنوعة من الأسعار والماركات حتى يصل إلى هدفه في بيع المنتج في حين تتواري سيداتنا السعوديات حديثات التوظيف في هذه المحلات خلف فاترينات الشركات المختلفة يقلبن في حيرة في المعروضات اللاتي لم يعتدن عليها ويتلهين بفتح وغلق الأدراج في حين تتطلع أعينهن الحيرى إلى الزبائن في وجل وقلق فلا شك أنهن مطالبات بتحقيق نسب مبيعات محددة لكن المهارات التسويقية مفقودة وأقترح لمعالجة هذه المشكلة أن يتم بعثهن تدريجياً إلى لبنان فليس أقدر من البائع اللبناني على بيعك وإقناعك بصحة قرارك حتى لو كانت البضاعة معطوبة.
إنها ثقافة البيع والشراء والتنقل والقدرة على استثمار المهارات الشخصية والتواصل والذكاء الاجتماعي التي جبل عليها هذا الشعب!.
إلى جانب ذلك ترزح هؤلاء النساء تحت شعورهن بالنفي وعدم القبول وبخاصة في بداية تطبيق هذه التجربة الصعبة.
المرأة لدينا تقع تحت وطأة تاريخ وقيم ثقافية مثقلة برفضها وإقصائها عن المجال العام، ولذا نجد أن هذا الفضاء يصاب بالقلق والحيرة متى ما ظهرت المرأة، فيحاول التخلص منها بسرعة سواء كان الأمر في مستشفى أو عند خباز أو بقالة أو حتى منتجات القصيم التي تتاجر بالخضار والفاكهة والتي يفترض أن تشترى وتستهلك بواسطة النساء، لكن المحيطين من الرجال، وحال ظهور شبح العباءة السوداء، يعمدون إلى إنجاز بيعها وشرائها أو أن يوجه الأمر للمرأة مباشرة بالالتزام والبقاء في سيارتها وترك الأمر للبائع والسائق؛ إذ ليس من المفترض أن تتواجد في هذا الفضاء الذي يصول فيه الرجال ويجولون وظهورها فيه يسبب إرباكاً لنظام اجتماعي اعتاد على إقصاء المرأة وتحديد مكانها بالبيت دون غيره، فكيف وهي تخرج من بيتها وتفرض وجودها في هذا الفضاء عبر التوظف فيه واقتطاع حصة الذكر منه؟؟! إنه ذلك التحول العميق في النظرة والمفاهيم والقيم الثقافية السائدة التي تدفع بكل هذه الأصوات الغاضبة من المعارضين والحائرين في التعامل مع الواقع الجديد وهم الذين اعتادوا على أنساق فكرية وثقافية محددة ويصعب عليهم تقبل قوالب فكرية جديدة، لكن هل ستملك هذه القوى إلا الاستسلام؟
وزارة العمل بتنفيذها للتوجهات الوطنية ومحاولاتها المستمرة لحل مشكلة البطالة الهائلة بين النساء ساهمت بشكل جذري في تفكيك عالم من الضبابية والتشويه يحيط بمفهوم علاقة الرجل بالمرأة في مجتمع شوه مفاهيم العلاقات الإنسانية بين جنسيه حتى وصل الأمر به لتخوين الأب (الحذر من اللبس أمام الأب وعدم ترك الابنة المراهقة معه!!) والشك في المرأة (الملاحقة الجوالية للمرأة عبر الرسائل النصية) وخلافه من أشكال السلوك الاجتماعي الذي أنتجته هذه الثقافة المريضة.
يبقى دورنا أن ندفع بهذا الدور الرائد لمزيد من الفعالية بالحرص على استمرار النساء في أعمالهن بتوفير الدعم التدريبي والخيري إن أمكن (مثلاً أن تساعد الجمعيات الخيرية وجماعات النشاط المدني على توفير مواصلات مضمونة وبخاصة لمن يعملن لفترتين خلال اليوم الواحد) وأن توفر الدولة مراكز موثوقة لتوفير رعاية ذكية وكريمة للطفولة وتدريب للمهارات مع وجود مستوى من الرواتب يضمن حياة كريمة للمرأة العاملة.