قد لا يختلف قرار الأسرة السعودية عند إنشاء منزل خاص، عن قرار جهة حكومية أو شركة خاصة لإنشاء مشروع حكومي أو مشروع تجاري، كلاهما يفكران في التصميم والتنفيذ والمساحة و... و... إلخ. لكن لا يوجد منهما من يفكر بكيفية صيانة وتشغيل هذه المنشآت، سواء كانت منشآت صغيرة على مستوى الأسرة، أو منشآت تجارية كبيرة على مستوى القطاع الخاص، أو منشآت حكومية، ومن خلال قراءة سريعة للتطور العمراني الهائل الذي تعيشه البلاد منذ ست سنوات، والذي قد يستمر على الأقل لسنوات عشر قادمة، سنجد أنفسنا أمام أزمة حقيقية ومؤرقة، هي أزمة صيانة وتشغيل هذه المباني.
كثيراً ما أحترم الشخص الذي يتردد كثيراً في تنفيذ فكرة ما في منزله الخاص، حتى وإن بدت له مغرية، لأنه يفكِّر بما يترتب على ذلك من تشغيل هذا الجزء من المبنى، وصيانته، والتكاليف التي سيضطر إلى دفعها سنوياً لأجل ذلك. فهل تشغيل منزل مساحته 300 متر مربع وصيانته لا تنخفض بمعدل الضعف عن منزل آخر مساحته تشارف الألف متر؟ طبعاً تختلف كثيراً، خاصة في بلد طقسه حار معظم أيام السنة، مما يتطلب دفع تكاليف تشغيل أجهزة التبريد وصيانتها بشكل دوري مستمر.
هذا إذا كنا نتحدث عن المنازل الخاصة على نطاق ضيق، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بمشروعات ضخمة جداً كما هي المشروعات الجديدة في المملكة، وأي تكاليف سيتم دفعها لصيانة هذه المشروعات الفارهة، ذات المساحات الهائلة؟
يقول تقرير لـ(الجزيرة) كابيتال بأن المشروعات الإنشائية في المملكة قد بلغت كلفتها 629 مليار دولار مخصصة لإنشاء 98 مشروعا، أي أن ما خصص لكل مشروع أكثر من ستة مليارات دولار، أي حوالي 24 مليار ريال، وهذه المشروعات الضخمة لن يتم تنفيذها بمواصفات عالية، وتسليمها في الوقت المحدد، إلا باللجوء إلى ائتلاف بين عدة شركات مقاولات ضخمة، سواء من الداخل أو من الخارج. وحتى لو أنجزنا فعلاً هذه المشروعات، سيواجهنا السؤال الصعب، وهو كيف سيتم تأمين مصاريف التشغيل والصيانة لهذه المشروعات بعدما تنجز قبيل عام 2020م؟.
أعتقد أننا سنعاني من ذلك كثيراً، وسنجد أنفسنا بعد عشر سنوات، نقتص من ميزانية الدولة مبالغ ضخمة مخصصة فقط للتشغيل والصيانة لهذه المشروعات، بل وقد تعاني شركات الصيانة والتشغيل من تخمة العقود، لتجد نفسها غير قادرة على الوفاء بها، إما لأسباب ضعف قدرات هذه الشركات، وإمكاناتها المالية، أو لأسباب تتعلق بمدى توافر العمالة الفنية المختصة، وندرتها، خاصة مع ما نعاني منه الآن من صعوبة توفير عمالة متخصصة ومدربة، في ظل استحالة عمل المواطن في مثل هذه المهن الفنية الصغيرة.
وهكذا تظهر مشكلاتنا الحقيقية دائماً، وذلك في عدم القدرة على التخطيط الإستراتيجي للمستقبل، فلن نتعامل مع مشكلة كهذه للأسف، إلا بعد أن تصبح أمراً واقعاً، تماماً كما هي معدلات البطالة الحالية، والتي كنا نعرف عنها، ومن خلال بعض الدراسات المنجزة في جامعة الملك سعود، منذ ثلاثين عاماً، لكننا تخاذلنا حتى تورطنا الآن بمعدلات البطالة المرتفعة، فهل نتنبَّه إلى أزمة منتظرة تخص تشغيل مشروعاتنا وصيانتها قبل أن تحدث؟ هذا ما أتمناه فعلاً.