ما برحت “مسألة العمل” عند الإِنسان، مشكلة حقيقيَّة. وما برح الإنسان عاجزًا عن العمل، ببساطة، وبالتالي عن حسم “مسألة العمل”.
كل عمل يقوم به الإنسان يستغرق فكره وأهواءه وذهنه. وطالما أن هذه متداخلة في ساحة وعيه، فإنَّ العمل يتَضمَّن قضيَّة
الخطأ والصواب. قضيَّة النتائج الطيّبة والنتائج السيئة. قضيَّة الغايات والوسائل. ينتاب المرء، أحيانًا، شعور بالنَّدم على أخطاء ارتكبها، حين يُعيد النَّظر فيما فعل، لكنه، في أكثر الأحيان، يُهنئ نفسه، مخترعًا الأعذار والمسوّغات، ومُلقيًا بالمسؤوليَّة أو التبعات على الآخرين، أو على الظروف.
ذاكرة الأفعال الماضيَّة تستحضر انفعالات وخواطر عديدة. كأن في رأس كلّ منَّا مقبرة سريَّة، حريص على بقائها، يُوقظ، بين الفينة والأخرى، أمواته من سباتهم، ليُسرّ إليهم بمكنونات صدره، وينتزع منهم كلمات هي أصداء لرغباته، قبل أن يعود ويُلحدهم من جديد. بين أشباح الماضي، نعيش جلّ تلك المساحة الزمنيَّة التي نـُسميها العمر.
لكن الإنسان أيضًا ينظر إلى الأمام. إنه يخلع العمل على المستقبل، مـُتخيلاً نفسه، قائلاً: أو فاعلاً، أشياء معينة، مُتغلبًا على الآخرين، وعلى الظروف أيضًا، فائزًا بالنجاح، مُصوّبا الأمور أو جاعلاً إياها مريحة له.
هذا الخلع للعمل في مخيلته ينطوي هو الآخر على حركة ذهنيَّة مُعَقَّدة. قد يكون ثمة خوف مما يُمكن أن يعقب اتِّخاذ مسار معين في العمل، وقد يكون ثمَّة أمل وترقّب، وقد يتناوب هذان الشعور أن تفاعلاً في دخيلة الإِنسان.
وبما أن الإنسان أمل حينًا، وخائف حينًا، فليس ثمة عمل بسيط. فما يخاله نتائج طيبة أو سيئة يتوَّقف على خواطره وانفعالاته: حين يكون احتمال تلبيَّة رغباته واردًا فإنَّ النتيجة تكون “طيبة”، وإذا خاب أمله فإنَّ النتيجة “سيئة”.
النتيجة، إذن، مرتبطة بالنوازع في الداخل، بالأمزجة العابرة العديدة، بالرغبات وبأماني التحقق الذاتي.
من هنا فإنَّ العمل مُتشابك مع كل ما يحتدم في الدخيلة، والعمل الخارجي لا يمكن أن ينفصل عن الشروط الذهنيَّة والانفعاليَّة الداخليَّة.
المجتمع الإنساني مُعقد، والعمل يعني التماشي مع ذلك التعقيد. هنالك قوى لا حصر لها فاعلة في البيئة المحيطة بنا: التوجُّهات الاجتماعيَّة، الأعراف السائدة، نوعيَّة التَّربيَّة التي تُلقّن للأفراد، الضغوط الأسريَّة، الخ.. وهذه القوى ليست مُتّسقة، إذ تتنازع الفرد في اتجاهات مختلفة وربما متناقضة، وتضغط عليه من زوايا عدة. والعمل يعني الاستجابة الآنيَّة وسط كل هذه القوى.
فما العمل، إذن؟.
Zuhdi.alfateh@gmail.com