شعرت خلال الأسبوع الماضي ولازلت أشعر بسحابة الحزن التي جاءت مع موسم الشتاء البارد والعاصف ومزنه الرعدية... حزن له ما يبرره وله محفزاته ودوافعه, والرياض المدينة والعاصمة التي سجلت تاريخنا منذ أن كانت ممددة بطول وتعرجات وادي حنيفة وشعابه التي تغذيه, أتأملها وكأني أشاهدها لأول مرة، كانت الرياض غارقة بالطين والحجر والشوارع الرسوبية, وحافة طويق الهضابية وتلالها المتدرجة تفصل الرياض العمرانية عن باطنها وقيعانها الزراعية، أما شرق الرياض الرملي بلون الذهب بسبب جدائل وأطراف الرمال التي قيل إنها (الهامل) وهي الشاردة من قوس النفود العظيم رمال نفود الدهناء وعريق البلدان التي تدخل بجرأة إلى شمال وشرق الرياض..
دون أن أشعر بدأت أمشط شوارع الرياض، وساقني الحنين إلى طريق خريص المنفذ الوحيد لشرق منطقة الرياض وإلى الشرقية، حيث البحر وأرامكو ورائحة النفط والسمك وصوت القطار (الريل) والأجانب (الحفارين) الباحثين عن الزيت والماء..
من البدء جعل الملك عبدالله حفظه الله وألبسه لباس الصحة والعافية وأعاده الله لنا حاكماً ووالداً وقائداً لأحلامنا، جعل طريق خريص بوابة خير لمجتمع كان يتشكل شرق الرياض جهاز الحرس الوطني، المدارس والإسكان والبادية والحاضرة التي تقاطرت من كل الهجر والقرى و(طوارف) الشعاب والأودية وقيعان الأرض للاندماج في أكبر توطين في مرحلته الثالثة بعد توطين الملك عبدالعزيز يرحمه الله المرحلة الأولى, وتوطين الملك سعود والملك فيصل يرحمهما الله في المرحلة الثانية, ثم الملك عبدالله في الثمانينيات الهجرية والستينيات الميلادية المرحلة الثالثة.. وجدت نفسي على طريق خريص تعصف بي ذاكرة مثقلة بالحنين والدموع المحتبسة استرجعت صوتاً غنائياً -طلال مداح- يأتي من جبال الحجاز صوت يردد أغنية تراثية يقول:
ودعتك الله يا مسافر... ومقدر الله يكون.. البارحة ياحبيب زادت علي الشجون.
ونفس الصوت يردد للأمير عبدالله الفيصل:
عسى الله يفرج كربة اللي براها الشوق.
يبقى الملك عبدالله عامرا في قلوبنا وله ذكرى وبصمة منذ أن كان يجمع الشتات في مدن التوطين الجديدة ويمحو أمية المغادرين من قراهم إلى رياض الأمل، وله ذكرى عاطرة وهو ينهض في بلادنا في نقلة نوعية لم تعرفها المملكة طوال سجلها الحضاري: إنشاء المدن الحضارية والجامعية والطبية والاقتصادية وحرر القطارات من أطر المسار الواحد (لتشقق) بلادنا شمالا وجنوبا، وأرسل أفواج المبتعثين في هجرة تعليمية جماعية كسرت حاجز الأرقام لنصبح أكثرية طلابية في الجامعات الغربية..
أتوجه إلى الله العلي القدير أن يحفظ لنا الملك عبدالله ويعجل في شفائه ويخفف عليه آلامه وأوجاعه.. نحن هذا الجيل حزننا أكبر من حجم الرياض والمدن المتباعدة, وحنيننا لقائدنا ووالدنا يتجاوز كل طوق وحدود, لأننا عشنا مع الملك عبدالله حباً غامراً منذ أن كنا على مقاعد الدراسة وحتى الآن ونحن في موقع المسؤولية الوطنية نبادله الحب والاعتراف والحنين النازف.