هذا هو الحال، حال الثورات التي وإن بدأت بتوافق أو تفاهم بين الأطراف التي فجرتها إلا أن هذه الأطراف ما إن يؤول الأمر إليها حتى تبدأ المنازعات والاختلافات، ودائما يكون الصراع على جني الثمار والحصول على المكاسب، والمكاسب هنا المناصب حتى وإن جاءت على مصلحة الوطن والمواطنين، ومن أجل الكرسي وليس مصلحة الوطن -كما يدّعون- تسيل الدماء وتقطع الرؤوس، ولهذا يقال إن الثورة كالقطة تأكل أولادها..!! التاريخ يؤكد هذه الحقيقة، والتاريخ يورد لنا قصصاً وروايات عديدة متشابهة، والتي نراها الآن على مسرح الربيع العربي الذي شهد متغيرات وصفها البعض بالثورات.
مصر التي يكاد أمرها يؤول إلى جماعة الإخوان المسلمين الذين ينفذون بتؤدة مراحل «التمكين» للسيطرة على مفاصل الحكم يواجهون معارضة شديدة ممن أشعلوا الثورة على نظام حسني مبارك، الثوار وخاصة الشباب منهم يتهمون الإخوان المسلمين بأنهم دخلوا الثورة بعد قيامها ونجحوا في قطف ثمارها. وبغض النظر عن الدخول المتأخر للإخوان المسلمين، إلا أن المؤكد أن الإخوان المسلمين قد أنجزوا مراحل متقدمة من نهجهم المتمثل في التمكين المتدرج على مفاصل السلطة، فعبر رئيس الجمهورية المنتخب أصبحت السلطات التنفيذية والتشريعية بتصرف الرئيس الذي كان رئيساً لحزب الإخوان المسلمين وأحد أعضاء الجماعة الملتزمين بتوجيهات وتعليمات المرشد، وفي 22 نوفمبر الحالي ضم الرئيس السلطة القضائية تحت جناح سلطاته ليصبح جامعاً لكل السلطات، وهذا ما أغضب شباب وشيوخ الثورة الذين شكلوا تجمعاً يضم الأحزاب الليبرالية واليسارية والقومية وأعلنوا عن تشكيل جبهة إنقاذ تضم البرادعي وعمرو موسى والسيد البدوي وحمدين صباحي وسامح عاشور الذين يعتبرون قرارات الرئيس والإعلان الدستوري انقلاباً دستورياً وخروجاً عن مسار الثورة التي يقولون إنها اندلعت لمواجهة الدكتاتورية، فكيف يأتي الرئيس محمد مرسي ليكرس الدكتاتورية من خلال منحه لنفسه كل السلطات وهو ما يعتبرونه أسوأ من عهد ما قبل الثورة؟ وهذا ما أشعل الميادين والساحات في مصر بل يهدد باندلاع صراع قد يصل إلى سفك الدماء بين أطراف «جبهة الإنقاذ» وجماعة الإخوان المسلمين، الطرفان اللذان أشعلا الثورة ضد نظام حسني مبارك على اعتبار أن الإخوان المسلمين جزء من نسيج الثورة وليسوا متسلقين جنوا مكاسبها بدخولهم الثورة بعد قيامها.
jaser@al-jazirah.com.sa