أن تكون هناك حِيلٌ وألاعيب في الحياة من حولنا فهذا أمر وارد وفي حدود معينة وطرق محددة، أما أن تزيد عن ذلك، لتتغلغل إلى كل ما هو ضروري في حياتنا وسبل عيشنا، وصحتنا العامة، فهذا عين الأذى والسوء وتراجع القيم. فمن أمثلة هذا اللعب والعبث هو التهاون في ضوابط جودة وسلامة عنصري الغذاء والدواء، وما يليهما من أمور حيوية وضرورية في بناء منظومة حياة الإنسان.
فالغذاء والدواء هما الأهم، وهما بيت القصيد - كما تقول العرب - فلولا الغذاء ما بقيت الكائنات وظل الإنسان على وجه الأرض، ولولا الدواء ما انتعشت آمال البشرية في أن تتخلص من كثير من الأوبئة، وتكافح العديد من الأمراض، لتقل بحمد الله آلام الكثير من البشر، بل أصبح الطب الحديث في حالة تطور وتجدد مستمر، ومن خيره العميم أن الجهود العلمية لا تزال تتواصل، من أجل المزيد من الاكتشافات في مجال الأدوية، وسبل العلاج، بل وتطوير الكثير مما هو بين أيدينا الآن.
إلا أن ما يؤذي وينغص حقيقة في ظل هذه التطورات والتحولات المتلاحقة في بناء منظومة الطب والعلاج والصيدلة، أنها باتت تدخل في معمعة منظومات تجارية بحتة، وتنحو بعض هذه الابتكارات الطبية في الكثير من الأحيان نحو صيغ ترويجية لا أساس لها في مبادئ الطب، المتكونة في الأصل من حس إنساني مفعم بالروحانيات، واللمسات الحانية، والفكر المستنير من أجل خدمة البشرية.
وخشية من تفاقم المتاجرة بالدواء وتحويله إلى مجرد سلعة استهلاكية قابلة لمتطلبات العرض والطلب ومن يدفع أكثر، فإن الكثير من الدول سعت إلى تطبيق فكرة الرقابة على الدواء والغذاء، وما ذلك إلا دليل واضح على أهمية ما نريده من هذه الصناعات الدوائية والغذائية التي بدأنا نستشعر في بعض مضامينها نزعة التكسب والشره المادي الذي أفسد بلا شك الشعار الإنساني الجميل للدواء في حياتنا، وصحتنا.
بعض الجهات الرقابية في مراكز الأبحاث، والكليات الطبية، والمختبرات المتخصصة التي لا تزال تتطوع بدافع أنساني، وحس راقي، وضمير حي للتكشف للمستهلك أن الكثير من الأدوية والعقاقير المنتجة محلياً في غاية الضعف، وقلة الجودة، بل أن بعضها يفتقد بعض العناصر الطبية المتكاملة.
وأبرز ما ذكر في أمر ضعف المنتج المحلي من الدواء هو ما أشار إليه أحد الصيادلة، الذي عمل لدينا لأعوام قليلة، فما لبث إلا ويغادر إلى كندا، ليؤكد بعد إذ أنه أثناء العمل في شركات الأدوية المحلية دائماً ما يكتشف ضعف المنتج الدوائي، لأنه حسب رؤيته لا يتم توفير العناصر الدوائية بشكل متكامل، وقد لا يجيزون بعض العناصر المكملة لصنع الدواء، لمحاذير واعتبارات خاصة، على نحو التشكيك بمصدر العقاقير ودرجة سميتها، ليصبح العلاج المصنع محلياً خاضعاً لاستمزاج المتوفر من هذه العناصر، وجراء هذا التهاون في ضبط المعايير وجودة الكميات فإن خصائص الدواء وقيمه العلاجية لا شك أنها تختل. أما ما يظن انه يزدهر ويتواصل فهو من قبيل تنويعات مقطوعات الصناعة الوطنية والعرض والطلب، وتأمين طلبات المستشفيات الحكومية بأسعار منخفضة جدا، دون الأخذ باعتبارات البحث عن أي علاج مفيد، حتى وإن كان مكلفاً مالياً، فمن الأولى أن يستثنى الدواء من هذه الفكرة المعلبة والجاهزة للتسويق “صناعة وطنية” على حساب معايير الصحة وضوابط الغذاء.
hrbda2000@hotmail.com