ليس مفاجأة ما جرى على أرض غزة من عدوان إسرائيلي همجي، فما جرى يذكرني بحملة الرصاص المسكوب، التي وقعت أحداثها في ديسمبر 2008م، والتي استهدفت تدمير غزة؛ لتؤكد إسرائيل على أن: ما تقوم به هي حرب إستراتيجية؛ من أجل خلط أوراق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أشبه ما تكون بحرب إبادة؛ لحسم الصراع مع الشعب الفلسطيني بدفن حقوقه الوطنية الشرعية، وكسر إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني. وحتى تفشل كل الجهود الرامية لأسلمة الصراع، في حين تنجح إسرائيل بتهويد هوية الصراع، تأتي المفارقة التي تحدد معالم المستقبل المرير من الفوضى العارمة في المنطقة، والانفلات الدموي الشامل.
ولشرعنة مصداقية مقاومة الضحايا، فإننا لا نستطيع إغفال المؤثرات، والمحددات السياسية، والاقتصادية الغربية، وهو ما انعكس سلبا على التعاطي مع الأهداف التكتيكية قبل الإستراتيجية، ومن ذلك على سبيل المثال: تفهم -الرئيس الأمريكي- أوباما «حق الرد الإسرائيلي؛ من أجل الدفاع عن النفس»، وكأنه يريد أن يفهمنا، بأن جوهر الصراع يكمن بين معتدلين، وإرهابيين، وليس بين محتلين، وضحايا، وإلقاء اللوم على الطرف الفلسطيني، والطعن بأهليتهم في قيادة كيان مستقل، وتحميلهم مسؤولية ضياع فرص السلام في المنطقة، مع أن هذا الخطاب، لا يتناسب مع الصياغة المرتبية الجديدة التي تعيشها المنطقة.
إن تغير معادلة الصراع في مرحلتها الراهنة، تستوجب الوقوف مع القضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة المستلبة، وذلك وفق الأعراف الإنسانية، والدينية، والمواثيق الدولية؛ لنيل حريته، وتقرير مصيره، وإنشاء دولته المستقلة على كامل التراب الفلسطيني المحتل.
نذكّر، بأن ما حدث في غزة، لا يقبل القسمة على اثنين، فأرض فلسطين واحدة، ولم يعد هناك خيارات، حتى لأكثر الرموز الفلسطينية أملا بالتفاوض، بعد أن نضجت الظروف الموضوعية للوحدة، والمصالحة بين أطياف الشعب الفلسطيني، وتحييد مشاكلها، واختلافاتها جانبا؛ من أجل التصدي لكل الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
يبقى التأكيد على: ضرورة تقديم المسؤولين الإسرائيليين عن الحرب إلى المحاكمة، كمجرمي حرب ضد المدنيين الفلسطينيين، فهذا جزء من التصدي للعدوان الأخير على مدى ثمانية أيام، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال غض الطرف عن الانتهاكات المتعددة، والجسيمة للقانون الدولي، التي نتجت عن الهجوم الإسرائيلي. فليس هناك دولة فوق القانون، وإلا ستفقد محكمة العدل الدولية شرعيتها، عندما تتستر على مجرمي الحرب الصهاينة، وتفتقد لمعاني العدالة التي ترفعها شعاراً، وتتغنى بها أمام العالم، وهو المعنى الذي أكده وزير الدولة للشؤون الخارجية -الدكتور- نزار بن عبيد مدني، في كلمته أمام الاجتماع غير العادي لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري في القاهرة: «بأنه لم يعد من المعقول، أو المقبول، أن يمر هذا العدوان الجديد دون عقاب».
drsasq@gmail.com