تثير الدراسة التي أجرتها وحدة الدراسات والبحوث في «المجلة العربية» تحت عنوان «اتجاهات القراءة الحرة في المملكة العربية السعودية.. واقعها ومستقبلها» الكثير من علامات الاستفهام حول واقع القراءة الحرة في بلادنا، في ظل التحولات الكبيرة في عالم الإعلام والاتصالات.
فالدراسة التي استعرض نتائجها رئيس تحرير المجلة العربية الدكتور عثمان الصيني مساء الأحد الماضي في مقر المجلة، بحضور وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، كشفت أن «68 % من السعوديين يقضون أكثر من 10 دقائق في قراءة المطبوعات الورقية من صحف ومجلات وكتب وقصص وروايات، بينما يقضي 75 % منهم أكثر من 10 دقائق في قراءة النصوص الإلكترونية»، وفق الخبر الذي بثته وكالة الأنباء السعودية.
وتضمنت الدراسة نتائج أخرى مهمة، منها أن «القراءة الحرة هي بمنزلة عادة يومية لأكثر من نصف أفراد المجتمع السعودي». وقد أُجريت الدراسة وفق معايير إحصائية اعتبرتها المجلة علمية.
سيكون أمراً مفرحاً إذا ثبت أن القراءة الحرة صارت عادة يومية لأكثر من نصف السعوديين بعد أن كانت الإحصائيات السابقة تشير إلى عزوف كبير جداً عن القراءة الحرة لدى السعوديين ولدى العرب عموماً. ربما يكون هذا التحسُّن هو إحدى الثمار الإيجابية الكثيرة لشيوع الإنترنت والمواقع الإلكترونية المختلفة، حتى وإن كانت بعض المواد التي تُنْشَر في الإنترنت أو التي تطبع في بعض الكتب تضر أكثر مما تنفع، وتعيق التنمية أكثر مما تدفع بها إلى الأمام.
ويبدو أن الدراسة تتفق مع التوجه العام الذي نراه في الدول الأخرى، وهو تحوُّل القراء من المطبوعات الورقية إلى النصوص الإلكترونية، الذي كان من نتائجه اختفاء بعض الصحف والمجلات الورقية. لكنني ما زلت أتساءل: هل حقاً ستلتهم المواقع الإلكترونية بأشكالها المختلفة المطبوعات والكتب الورقية؟!
إنني أطرح هذا التساؤل من واقع أراه بوضوح، وهو أن الكثير جداً مما يظهر في المواقع الإلكترونية هو في الأساس قائم على ما يُنشر في المطبوعات الورقية من صحف وكتب وغيرها. وحتى الذين يهاجمون ويسخرون من الصحافة الورقية هم في الواقع من قراء تلك الصحف، ولكن عبر الإنترنت، ولو اختفت الصحف الورقية ستختفي معظم الموضوعات التي يجدونها منقولة على الإنترنت! وهذا ينطبق أيضاً على الكتاب الإلكتروني؛ فالغالبية العظمى من الكتب الإلكترونية هي في الأساس كتب ورقية، تم نقلها إلى الإنترنت؛ فهل حقاً سيأتي اليوم الذي تختفي فيه الكتب الورقية؟
لا شك أن البشرية تتقدم، وأن العقول المفكرة تأتي كل يوم بجديد، وقد شهدت البشرية تقنيات تبرز وتسيطر، ثم تختفي وتحل مكانها تقنيات أخرى، وهذا ينطبق على جميع الأنشطة، وليس هناك ما يمنع - من حيث المبدأ - أن تتضاءل كثيراً أهمية الكتب والصحف الورقية بشكلها الحالي، وقد تتطور مثلما تطورت الكتابة على الألواح والمخطوطات، لكنني لا أزال أرى وجاهة السؤال: هل أدى اختراع الراديو إلى اختفاء الصحف؟ وهل أدى اختراع التلفزيون إلى اختفاء الراديو؟ وهل أدى اختراع الإنترنت إلى اختفاء التلفزيون؟
في النهاية، ما يهم هو أن نقرأ، وأن نطلع، بغض النظر عن الوعاء المعلوماتي الذي نتناول منه المعرفة.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض