لطالما كانت مؤسسة حرس الحدود، حلقة مهمة في الحفاظ على الوحدة الوطنيَّة للمملكة، ككيان -سياسي وجغرافي- متماسك، ومن ذلك: قيام أجهزتها الأمنيَّة بتضييق الخناق على تحرُّكات، ونشاط عناصر الفئة الضالة في الداخل، وهو ما أكَّده مدير عام حرس الحدود -الفريق الركن- زميم بن جويبر السواط، بأن: “حرس الحدود فقد -خلال العامين الماضيين- عشرة من منسوبيه في مواجهات أمنيَّة”.
هؤلاء الشهداء العشرة الذين فقدهم الوطن، هم شخصيات ذات قمة، وقيمة، يحق لنا أن نفاخر بهم. فهم من تمسكوا بمقوِّمات الهوية، والانتماء. ، مُوكِّدين، أنهم أمنع من أن ينال من وطننا الغالي كيد المتآمرين، أو حسد العابثين، مهما تعدَّدت أشكالهم، وأنواعهم، ومهما كان حجم الدعم الهائل، الذي يُقدم لِمَنْ باع دينه، ووطنه. وهم من لقنوا جماعات الإرهاب، وخفافيش القاعدة، التي تخرج علينا بين فترة، وأخرى، ضربات موجعة؛ لضمان سلامة البناء الوطني، وتأمين أكبر قدر من الاستقرار الأمني، ودفاعًا عن قيم المجتمع الإِنساني، إذ لا مستقبل لِمَنْ يحمل السِّلاح في وجه الوطن.
هكذا، وقعت عناصر الفئة الضالة في فخاخ الإرهاب المتطرف، متشبثين بثياب الدين؛ سعيًا لاختطاف المجتمع، وتدمير مقوِّمات، وأسس الدَّوْلة؛ ليحوّلوها إلى معول للهدم، والفوضى، لا للبناء -على خلاف ما يجب أن تكون- من تماسك وتطييب الجراح، وحشد الطاقات؛ للنهوض، لا للتفكيك، وتصفية الحسابات. وتلك أيديولوجية أشد خطرًا على الأمة، من أن تصبح دنياها نهبًا للأعداء، ودينها نهبًا للأهواء.
سيلتقي بنفس المفهوم، والتجسيد، والآلية الإيجابيَّة، أن هؤلاء العشرة عند الله قضوا نحبهم، وهو يسهرون على حماية حدودنا، فاستشهدوا؛ من أجل الدفاع عن الوطن. ويكفينا اطمئنانًا، أن مصير هذا البلد في حضن أعز ما نملكه، عندما يقدمون مصلحته على مصالحهم الشخصيَّة، واستكمال طاقاتهم في خدمة وطنهم، والعمل بما يذكي شعور الاعتزاز به، والذود عنه.
نقطة أخيرة، الشهادة، شرف لِمَنْ ينالها خصوصًا أنه يدافع عن قضية وطن أمام أعداء الوطن.
وفي هذا المقام، لا زلت أذكر فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، عندما سُئل عن أبنائنا المرابطين على الجبهة: إذا كان لهم أجر المرابطة في سبيل الله.. وأنتم تعلمون أنهم يواجهون عدوًا، ثبت من سلوكياته، أنه لا يرعى عهدًا، ولا يحفظ حقًا؟ ويسألون -أيْضًا- هل يدخل ذلك في الجهاد الدفاع عن الوطن، والعرض، والممتلكات؟، فكان مما أجاب به -رحمه الله-: “ولا شكَّ أن الدفاع عن الدين، والنفس، والأهل، والمال، والبلاد، وأهلها، من الجهاد المشروع، ومن يقتل في ذلك، وهو مسلم، يُعتبر شهيدًا؛ لقول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد)”.
drsasq@gmail.com