من أعظم المبادئ القضائية التي رسخها ديوان المظالم خلال تاريخه؛ التعويض عن فترة السجن إذا كان قرار التوقيف غير متوافق والنصوص القانونية السارية لأن الديوان كجهة قضاء إداري رسخ من خلال هذا المبدأ رقابته على أعمال الجهات الإدارية التي هي الوظيفية الحقيقية للقضاء الإداري والهدف الأسمى في إنشائه ليكون المرجع في تحديد شرعية أو عدم شرعية الإجراءات الإدارية سواء كانت متمثلة في قرارات أو أعمال مادية.
إضافة إلى المبدأ السابق فإن ديوان المظالم ومن خلال أحكام متعددة أعمل رقابته على جهات الضبط القضائي بكافة تشكيلاتها بحيث شرّع الأبواب المخاصمة تلك الجهات الضبطية أمام الديوان والاعتراض على إجراءاتها، سواء كان بسبب التعسف في استخدام السلطة أو كان بالطعن على قراراتها وتكمن أهمية هذا المبدأ القضائي على وجه التحديد أن جهات الضبط القضائي التي حددها نظام الإجراءات الجزائية تمارس أعمالاً لها علاقة مباشرة بحريات الناس ومنحها القانون سلطات خطيرة على تلك الحريات وكان من المنطقي أن يراقب القضاء الإداري كيفية ممارسة تلك السلطات لأنه لا يمكن تصور سلطة بلا مسئولية، وحتى يمكن للقضاء أن يوازن بين حرية الفرد ومصلحة المجتمع، لذا درج القضاء الإداري على رقابة سلوك الهيئات الحكومية التي تمارس مهام الضبط القضائي.
المبدآن السابقان يمثلان تركة قضائية تراكمت عبر سنوات متعاقبة من عمل ديوان المظالم كما أنهما يمثلان في الوقت ذاته حركة متواصلة للديوان في التطور القضائي من حيث تحذير فكرة الرقابة على عمل الإدارة الذي يتمثل في دوره الحقيقي، وبالتالي فإنه لا يجوز المساس بذلك المبدأين مهما كانت الأسباب أو التبريرات التي قد يسوقها البعض من أجل إهدارهما لأن في المساس بهما إهدار لدور القضاء الإداري في الرقابة وعبث في موروث قضائي أصبح جزءاً من المنظومة القانونية للبلد، بل لابد بالدفع لأن يتوسع الديوان في الرقابة لأنها هي من ستردع من يخرق القانون أو يتمرد عليه تحت أي لافتة كان ذلك التمرد، كما أن الرقابة القضائية الصارمة ستقوي النظام القانوني في الدولة وتفرز أعمال السلطات فيها، فهناك جهات تصدر التشريعات وهناك أخرى تنفذها وفي النهاية هناك سلطة قضائية تراقب تنفيذ تلك التشريعات حتى لا تكون القوانين أداة في إهدار الحقوق الأساسية للفرد.
نظام ديوان المظالم حدد أن للديوان الولاية العامة بالنظر بالقضايا الإدارية، سواء كانت إلغاء أو تعويضا وعليه فإن أي اجتهاد فقهي يذهب إلى سلخ بعض الاختصاصات الواردة في النظام هو من وجهة نظري اجتهاد يصادم نصاً قانونياً صريحاً منح لقضاة الديوان الاختصاص في النظر في أي قضية كان موضوعها التظلم من قرار إداري إلغاءً وتعويضاً، فلا يمكن مثلاً إحالة الحكم بالتعويض عن فترة توقيف غير قانونية إلى جهة قضائية أخرى، بسبب أن تلك الجهة القضائية (الأخرى) هي من نظرت الدعوى الخاصة بالموضوع المتعلق بسبب التوقيف لأن كل دعوى مستقلة عن الأخرى ولكل منهما نظامه القانوني الخاص فلو افترضنا أن الجهة المخولة بضبط المخالفات الجمركية قامت بتوقيف شخص، وتبين بعد المحاكمة براءته وأن العملية كانت مجرد تشابه في الأسماء، في هذه الحالة لا يمكن أن نقول إن دعوى التعويض عن تلك الأيام التي أوقف فيها ذلك الشخص هي من اختصاص اللجان الجمركية لأننا لو قلنا بذلك فنحن نلغي نصاً قانونياً صادراً بمرسوم ملكي يحدد وبوضوح أن أي دعوى تعويض هي من اختصاص ديوان المظالم، وبالتالي لا يجوز (التنازل) عن هذا الاختصاص، ولا يجوز الاجتهاد فيه لأن القاعدة القضائية الراسخة تنص على أنه (لا اجتهاد مع النص).
aallahem@gmail.com - @allahimمحام وكاتب سعودي