* لم تجئْ المقارنةُ مقصودةً بل تداعت بتلقائيةٍ وهو يرى المكتبةَ “الكويتيةَ” العملاقةَ تواجه البحرَ وتبحر في الاتجاهات وتدفعُ الغياب للحضور والحضور للحبور والباحث للإجادة في جوٍ يمنحُ الهدوء ويستمطرُ العطاء؛ فقد ارتحلت به ذاكرتًه - دون أن يشاء - عقودًا أربعةً حين كانت المكتبة العامةُ في “السلسلة” - بتواضعها بل باتضاعها الشكلي- مملوءةً بالقراء، ومعظمهم في سن الطلب المبكر، وأمينُها العام “الشيخ سليمان الجناحي” - عليه رحمة الله - يستقبل الجميع بابتسامته ولطفه، ويقدم لهم ما يحتاجون إليه من خدماتٍ يسيرة؛ أهمها الإعارةُ والاستعادةُ في سجلٍ يدويٍ مجلد،وربما أضاف فنجان شايٍ لمن رآهم كبارا.
* أسعفه حظّه أن وجد مكتبةً منزليةً عامرةً يعتني بها والده- حفظه الله- وما يزال؛ مفردًا لها مكانًا أثيرًا ؛ فكانت المكتبتان مع مكتبة المدرسة الفيصلية والمعهد العلمي ومسجد الرويقي التي أنشأها - بجهده الخاص - الأستاذ محمد الصالح السُّليم -غفر الله له - مصادرَه المعرفيةَ الأهم، وفي مدينته مكتبةُ الجامع الكبير لكنه لم يكن من مرتاديها .
* “قد قيل ما قيل” حول انتهاء الكتاب الورقيّ؛ فالزمنُ لمخرجات التقنية الرقمية، لكننا نجزم أن ثمنَ هجر الكتاب سيكون كارثيًا بحق التنمية المعرفية التي هي مفتاحُ النهضة الغائبة، ولو أخذنا معيارًا رقميًا فإن عدد الباحثين في بلداننا لا يتجاوز مئةً ومئتين لكل مليون شخص مقابل رقمٍ يتجاوز أربعة آلافٍ حدًا أدنى في كوريا الجنوبية مثلًا، كما أن مرتادي المكتبات العامة في تضاؤل ومعظمهم في الفئات العمرية الكبيرة وطلبة الدراسات العليا، وفي حين يبلغ متوسط الزمن القرائي عند الأوربي “مئتي ساعةٍ” في العام فإنه “ستُّ دقائق” لدى الفرد العربي.
* كانت المكتبة خليةً فصارت خالية، وستبدو عما قريبٍ طللًا ؛ أبكينا عليها ومنها أم علينا ومنا، والزمن لا يأذن لأحلام المنام أن تستيقظَ شخوصًا، ويبقى المهمُّ أن يجد النشءُ الكتاب الجادَّ عبر الوسيط الذي يألفونه لا أن نستعيد بهم أيامًا خلت ؛ ف”ما مضى فات” ولو تمنيناه.
* تتغير أشكالُ المكتبات ويبقى الكتاب ونعود للذكريات؛ فقد كان للمكتبات المنزليةِ دورُها، ولا ينسى أنه اعتمد -في مسابقاتٍ بحثيةٍ خلال المرحلة المتوسطة- على مكتبة أستاذه الدكتور عبدالله اليوسف الشبل حفظه الله( مدير جامعة الإمام السابق- حين كان مديرًا للمعهد العلمي بعنيزة) ولفت نظره فيها جمالُ ترتيبها واحتفاؤُها بالصحف بشكلٍ يُيسّر الرجوع إليها، وسمع عن مكتبة الشيخ عبدالرحمن العبدالعزيز الزامل والأستاذ عبدالرحمن البطحي رحمهما الله، ورأى المكتبات الشخصية المهداةَ لمركز ابن صالح، واطلع على كثير من مكتبات رموزِ الثقافة السعوديين في الرياض، وما يزال قلقًا على مصيرها بعدما تبدلت الأوعية وربما الوعي.
* الكتابُ يتوارى ولا يُوارى.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon