وصل لمنزله متعباً.
لم يكن يظن أنه سيقطع الطريق الممل بهذه السهولة مع هذا النعاس العنيف.
كان كل شيء كالحلم؛ حتى سيارة جاره العزيز ذات اللوحة م ن س 948، التي صادفها أمام إحدى الإشارات المرورية الذي لم ينس أن يؤدي التحية له عن طريق منبه السيارة.
وصل للمنزل الهادئ تماماً في هذه الساعة المتأخرة.
بدل ملابس العمل بملابس النوم بصعوبة بالغة، ثم ألقى بنفسه على السرير.
ثم أفاق فجأة على صوت مزعج لم يستطع تمييزه.
هل كانت ضحكاً أم بكاء، هل عاد إخوانه للخصام في هذه الساعة؟
بل كان هذا صوت الأم!
كان أشبه بالنحيب!
اختلطت الأصوات بصوت أخيه الأكبر الجهوري؛ وهو يصرخ على أحدهم؛ كانت صرخته تنتهي بنغمة تساؤل:
“متأكد؟”.
لكن متأكد من ماذا؟ لمن يتحدث بالضبط؟
خرج من غرفته بملابس النوم فوجد وضعاً مأساوياً أشبه بما يشاهده على القنوات الإخبارية من تصوير لمآسي العائلات المنكوبة.
فقد كانت أمه جالسة على الأرض، وتضرب رأسها بيديها الاثنتين، وبجانبها أخته تحاول منعها بيد وتخفي نصف وجهها منهارة بيد أخرى.
سأل مرعوباً:
“ما الذي حدث؟”.
لم تجيباه، ولم يكن يتوقع منهما إجابة.
أما أخوه فقد كان صوته ينبعث من الشارع:
“في أي مستشفى؟”
وصل لباب المنزل الخارجي، فوجد أخاه في وجهه مباشرة. ثمة دمعة متحجرة في عينه!
سأله عما حدث، فتجاهله تماماً!
عاد أخوه لداخل المنزل، وسمعه يقول لأمه وأخته:
“ادعوا له بالرحمة”!
كان على وشك الجنون هذه المرة؛ فهب مسرعاً كي يسأل الرجل بنفسه.
خرج فوجد سيارة جاره تقف على يمين الباب، ورأى جاره قد استند عليها وأنزل رأسه فيما يشبه حالة الانهيار.
سأله عدة مرات، فلم يجد جواباً! لا يبدو أنه سمع شيئاً حتى!
لاحظ الآن أن لا أثر لسيارته هو؛ فتسمر في مكانه للحظة، ثم ارتجف وتراجع للخلف، ورأى بوضوح لوحة سيارة جاره م ن س 948.