أسفرت الانتخابات الرئاسية الصومالية التي جرت خلال شهر سبتمبر الماضي من العام الجاري 2012م عن فوز حسن شيخ محمود - وهو أكاديمي عمل مع منظمات دولية - وبالتالي أصبح رئيساً جديداً لـ(جمهورية الصومال الديمقراطية)

خلفاً لشيخ أحمد شريف، الذي تسلم السلطة عام 2009م وفق حكومة فيدرالية تتمتع باعتراف دولي في ظل اضطرابات داخلية مستمرة منذ الإطاحة بمحمد سياد بري عام 1991م، ما يجعل المواطن العربي أو المسلم يتساءل عن حقيقة الأوضاع الجارية في هذا البلد المثخن بالجراح والمخنوق بالفقر، سواءً على المستوى الأمني، أو الوضع الاقتصادي وانعكاساتهما السلبية على الواقع الاجتماعي والحياة السياسية، خاصةً أن القتال ما زال دائراً بين القوات الصومالية النظامية وقوات الاتحاد الإفريقي من جهة، ومن جهةٍ أخرى حركة شباب المجاهدين الموالية فكرياً لتنظيم القاعدة، وتسيطر على مناطق ريفية على الرغم من خسارتها كيسمايو أهم معاقلها وانسحابها العام الماضي من مقديشو العاصمة، ما يعني انعدام الأمن لدرجة أن الرئيس المنتخب نجا من محاولتي اغتيال، ناهيك عن استمرار المجاعات في أجزاء من البلاد بسبب نقص المياه والأغذية بمعدلات خطيرة، وحسب الأمم المتحدة فإن أكثر من خمسة ملايين صومالي يواجهون المجاعة.

دون خوض في التفاصيل الصومالية التاريخية الدقيقة، يمكن القول إن جمهورية الصومال في العصر الحديث والتاريخ المعاصر مرّت بـ(خمس) مراحل سياسية متتابعة صاحبتها أوضاع متقلبة على مستوياتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وانعكست سلباً على واقعها الراهن، الأمر الذي يؤخر استقرارها وتعافيها وخروجها من أزمته بشكل نهائي أو على الأقل مطمئن، وهي مرحلة (الحقبة الاستعمارية)، وتمثلت بالاستعمار البريطاني لشمال الصومال والاستعمار الإيطالي لجنوبه في مطلع القرن العشرين الميلادي إلى أن استقل رسمياً عام 1960م باسم جمهورية الصومال الديمقراطية، ليدخل بعدها بمرحلة (الحكم العسكري) عقب اغتيال الرئيس عبد الرشيد شارماركي عام 1969م، ومن ثم سيطرة حكومة عسكرية بقيادة اللواء صلاح جيدي والفريق محمد سياد بري، تبعها إنشاء الحزب الاشتراكي الذي استبد بالسلطة إلى أن أطُيح بنظام سياد بري عام 1991م بقوى سياسية مدعومة بقوات عشائرية شمالية وجنوبية، لكن الصومال لم يستقر فبدأت مرحلة (الحرب الأهلية) وهي الأخطر بتاريخه، وذلك بانفصال شمال الصومال تحت اسم (دولة أرض الصومال) وإن لم يحصل على الاعتراف الدولي . ثم اختيار علي مهدي محمد رئيساً للبلاد، ما أحدث انقساماً على الساحة السياسية الصومالية، خصوصاً من قبل محمد فرح عيديد، تحول هذا الانقسام إلى تنازع على السلطة وصل إلى الصدام المسلح، مع حدوث مجاعة بسبب الجفاف دفعت الأمم المتحدة لإرسال قوات حفظ سلام وإغاثة، لكنها لم تنجح، فتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً بقرار دولي عام 1992م من خلال عملية (إعادة الأمل)، إلا أنها اضطرت للانسحاب بضغط من الشعب الأمريكي بعد مشهد سحل الجندي الأمريكي في شوارع مقديشو . في ظل هذه الأجواء الملتهبة وقعت أعمال عسكرية بين قوات عيديد وقوات حفظ السلام الدولية استمرت حتى مقتل محمد فرح عيديد عام 1996م، غير أن الأمور لم تهدأ بل زادت انقساماً بتشكيل حكم ذاتي في شمال شرق الصومال عام 1998م، وبعده دولة في جنوبه عام 2002م، التي صارت فيما بعد الحكومة الفيدرالية الانتقالية منذ العام 2004م .

مع ظهور الحكومة الفيدرالية تبدأ (المرحلة الانتقالية) التي لم تخل من الأعمال العسكرية، ففي العام 2006م اندلعت الحرب بين ما يعرف بـ(حفظ السلام ومكافحة الإرهاب) وميليشيات اتحاد المحاكم الإسلامية، ترتب عليه دخول القوات الإثيوبية في هذه الحرب باتفاق مع الحكومة الفيدرالية بعد فشل محادثات السلام بين الأطراف المتحاربة، إلا أن قوات الحكومة الفيدرالية نجحت في حسم الحرب مع اتحاد المحاكم في نهاية العام بدعم من إثيوبيا ورعاية غربية، ودخلت مقديشو وأنهت سيطرة المحاكم عليها وأسقطتها. ومع ذلك لم تستقر الأمور فلقد خرجت خلايا وجماعات مسلحة إسلامية من رحم اتحاد المحاكم عرفت بـ(حركة شباب المجاهدين الصومالية)، هذه الحركة استطاعت استعادت أجزاء من الصومال خاصةً بعد انسحاب القوات الإثيوبية عام 2009م . وهو العام الذي شهد انضواء المحاكم الإسلامية ضمن الحكومة الفيدرالية الانتقالية، ومن ثم انتخاب شريف شيخ أحمد رئيساً للبلاد، إلا أن حركة شباب المجاهدين التي تتبنى فكر القاعدة واصلت قتالها حتى العام الحالي 2012م، الذي شهد خسارتها لكثير من معاقلها الاستراتيجية بسبب تفوق القوات الصومالية النظامية وقوات الاتحاد الإفريقي، فلم يبق لها إلا بعض المناطق الريفية.

اليوم يعيش الصومال مرحلة (إقرار الديمقراطية)، التي شهدت ولازالت تحولاً إيجابياً في المشهد الصومالي تمثل في عقد مؤتمر الجمعية التأسيسية (825 عضوا و135 زعيما عشائريا)، حيث أقرّ مسودة الدستور بأغلبية مطلقة برعاية الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، ما مهد لاختيار أعضاء البرلمان عن طريق شيوخ القبائل ولجنة اختيار في أغسطس 2012م، ثم إجراء انتخابات رئاسية تمخض عنها انتخاب حسن شيخ محمود في سبتمبر من نفس العام، وبهذا طويت أوراق المرحلة الانتقالية التي استمرت ثمانية أعوام، بعد حرب أهلية مدمرة لمؤسسات الدولة ومقدراتها، ما يجعل التحديات أمام النظام السياسي الجديد كبيرة وكثيرة في المرحلة الحالية (إقرار الديمقراطية) كبناء حكومة مركزية دائمة بمؤسساتها المدنية والعسكرية، ومكافحة المجاعات، وبسط سيطرة الجيش على البلاد، ونزع أسلحة كل الميلشيات غير النظامية وبالذات حركة شباب المجاهدين، وحفظ الأمن العام، والقضاء على الفساد، واستثمار الموارد الطبيعية وتشغيل الموانئ للنهضة بالوضع الاقتصادي وغير ذلك . فهل ينجح الصوماليون في التغلب على هذه التحديات الجسيمة وينضموا إلى ما يسمى الربيع العربي؟ أم تعود جمهورية الصومال إلى تكرار تاريخها وتأكيد خصوصيتها بأنها بلد حرب الفقراء.