سؤال عنوان هذه الأسطر ربما تناوله غيري، وربما جاء عرضاً ضمن الحديث عن التعليم في بلادنا وشجونه التي قلما يتناولها قلم ممارس أو متخصص في ذلك الشأن. ولا يخفى على شريف علم القارئ الكريم أن التعليم في أي مجتمع كان هو طريق ذلك المجتمع لنهضة أفراده وتطورهم وحضورهم القوي، ولنا في المجتمعات المعاصرة خير شاهد، وأقوى دليل والحقيقة التي يجب أن يقر بها الجميع أن تعليمنا صب اهتمامه على البنى التحتية والمرفقات مع وعود مستمرة بالقضاء على المرافق التعليمية المستأجرة والتجهيزات المدرسية، وقلما نجد اهتماماً بالغاً بالإبداع والنبوغ للطلاب والطالبات، بالرغم من وجود مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين التي تعد البيئة الأمثل لأولئك الموهوبين من الطلاب، وظلت برامج الوزارة على استحياء وكادت أن تنحصر فيما يسمى بالأولمبياد وغيرها، التي دائماً ما تنحصر في أعداد قليلة إذا ما قيست بأعداد الطلاب والطالبات الذين تجاوز عددهم مؤخراً أربعة ملايين. ولأن النبوغ عادة ما يكون في الصغر، وتحديداً في المرحلة الأولى من مراحل التعليم العام الثلاثي (الابتدائية)، جاءت البرامج الموجهة لاكتشاف المواهب وصقلها في تلك المرحلة أقل بكثير مما يجب أن تكون عليه؛ حيث تم إجراء اختبارات قبيل عامين لطلاب الصف الرابع الابتدائي، وتلك الاختبارات أقرب ما تكون لاختبارات القياس المعمول بها في المرحلة الثانوية، حيث اعتمدت على جانبي الكم واللفظ، وغيبت جانب التفكير الإبداعي بسبب آلية إجرائها وزمن تنفيذها وانحصارها في الجانب اللفظي والكمي فقط، وذلك في ظل توجُّه الوزارة نحو تطوير مفردات مقررات التعليم في مراحله الثلاث، ذلك التطوير الذي انحصر في المفردة داخل المقررة مع الاستعانة ببعض السلاسل المترجمة من مفردات دول أخرى، ولاسيما العلوم والرياضيات دونما عناية كاملة بالمتصدين لتدريس هذين المقررين - وهم المعلمون والمعلمات - وكذلك عدم توفير معامل وفصول يمكن من خلالها تدريس تلك المقررات.
ولعل غياب الحوافز المادية والمعنوية ساهم في تفويت الاستفادة من معلمين ومعلمات يملكون إمكانات كبيرة في تخصصات علمية، وصارت جائزة المعلم المتميز تمنح حتى لمعلمي التربية البدنية ليس تقليلاً في المادة؛ ما ساهم في ذهاب بريقها وضعف الدافعية للمنافسة عليها من قِبل معلمي التخصصات العلمية ذات الأهمية، فطورت الوزارة ركيزة المقرر، وبقيت ركيزتان بحاجة إلى تطوير ميداني، مع مراعاة تخصيص برامج حديثة للعناية بالإبداع والنبوغ العلمي والمعرفي في جميع المقررات حتى يؤتي برنامج التطوير ثماره المرجوة ونتائجه الإيجابية المنشودة، في ظل الدعم المالي السخي المتواصل للتعليم العام، فالتعليم المتميز هو نواة نهضة وتطور أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، فهل تبادر الوزارة بإعادة النظر في برامج العناية بالإبداع والنبوغ داخل مؤسساتها التربوية والتعليمية؟ والله من وراء القصد.