رحلات الحج هذه الأيام باتت ميسرة في مقاييس من سبقونا، حينما كانوا يسيرون إلى مكة المكرمة من كل مكان، إما على أقدامهم وهم حفاة، أو على الدواب وهي ضامرة، فمع تغير الحياة نحو الأفضل، وتطور وسائل النقل والاتصال خفت تلك المعاناة، وبات الزائر للمشاعر المقدسة هذه الأيام يلمح أن هناك مراكز خدمية ميسرة، ومرافق متميزة، تعكس ما وصلت إليه رغبة الإنسان في التخلص من مصاعب السفر وأعباء الترحال.
لا شك أن الحاج والزائر قد وجد هذه الأيام - بحمد الله - أن المرافق قد اكتمل تشييدها بشكل متميز ولاسيما في البنية التحتية، مع التأكيد على أن الجهود لن تتوقف، فهي في حالة تطوير مستمر للإنشاءات، على نحو مبنى الجمرات وخدمات المرافق والمخيمات ووسائل النقل المختلفة، وتصريف السيول ودرء مخاطر الحرائق والكوارث المحتملة.
فما يريح في “رحلة العمر” إلى الديار المقدسة ومشاعر الحج هو أن البنية التحتية لا زالت تخضع للتقييم والدراسة ووضع التصورات العملية لإمكانات الإضافة والتطوير في مرافق المشاعر في الأعوام القادمة بما يتناسب وحجم المرحلة التي يتوقع أن تزداد فيها أعداد الحجاج في هذه الأيام المعدودات من كل عام.
إلا أن هناك من يلمح بعض المعوقات التي لا تزال قائمة على نحو ظاهرة الافتراش في الحج هذا العام وفي أعوام سابقة، ولم يعثر لها على حل حتى الآن، لأن من يمارسها للأسف أغلبهم من حجاج الداخل، وهذا ما كشفته دراسة أجريت قبل عامين، حيث أكدت في جزئية مهمة منها على أن حجاج الخارج غالباً ما يلتزمون بقواعد الإقامة والمبيت نظراً لوجود مخيماتهم ومقار حملاتهم.
وهناك من يعيد أسباب تكاثر حالات الافتراش في شوارع وميادين وأرصفة المشاعر ولم تذكره هذه الدراسات هو الارتفاع غير المبرر لتكاليف الحج وغياب الحملات الخيرية لمحدودي الدخل، أما حينما تستطرد في السؤال عن أسباب هذا الارتفاع غير المبرر فإن أصحاب الحملات يلقون فيها على المطوفين ومن يحتكرون الحملات.
وحينما توجه ذات الاستفهام إلى من هم في السوق ومكاتب الحج فإنهم يشيرون إلى أنه ليسوا سوى وكلاء ينوبون عنهم، بل إن هناك من يقول إن الأجهزة المشرفة على الحج في كل عام تترك الأمر مواربا بين القبول والرفض لمبدأ رفع تكاليف الحج في الداخل والخارج!
ففي ظل هذا الصمت وعدم تحديد اشتراطات الخدمات ساهم في ارتفاع تكاليفه هذا العام بما يعادل الضعف عن السنوات الثلاث الماضية، فقد لا يكون الحج بمتناول الشباب ومحدودي الدخل، وكذلك العمالة المنزلية لدينا، الذين قد يجدون أن رواتب عام كامل قد لا تسد نفقات الحج، أضف إلى ذلك ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وقيمة الفدية ولاسيما الوجبات، وتكاليف النقل التي قد تشق عليهم.
كما أن مهام التطوع في الحج لا تزال محدودة، رغم وجود شباب الجوالة وجهود بعضهم من المتطوعين من أهل الخير، فالشباب والشابات مدعوون بشكل دائم لمثل هذه المناسبة، ليعكسوا الصورة المشرقة لإنسان هذه الأرض، كما يمكن طرح التساؤل عن غياب أهل الحسبة ومن يتطوع معهم من أجل إنجاح هذه المناسبة التي يفترض أن يكون الجميع فيها متواجدين بشكل واضح.
hrbda2000@hotmail.com