لم يعد خافياً على أحد أن السائق في البيوت السعودية أصبح مثل المأكل والمشرب وغيرها من المقومات الأساسية التي تتعطل الحياة بغيابها بل وأهم.. حيث بدونه لا يذهب الأطفال إلى المدرسة، ولا الموظفة إلى عملها، ولا الأم إلى موعدها في المستشفى، ولا حتى السوبر ماركت القريب لابتياع حاجيات المنزل.. ولعله من المضحك أن المرأة لا تستطيع الوصول إلى أهدافها وتحقيق أحلامها وإثبات نفسها وإمكانياتها بدونه! حتى ولدت لنا نكتة ساخرة من رحم الواقع تقول: “وراء كل امرأة سعودية ناجحة.. سائق يوديها ويجيبها”.
هذا الحاجة الماسّة والمُلحة و”المهينة” أحياناً إلى السائق خلقت ظاهرة مخيفة باتت تتفشى في أوصال المجتمع السعودي، وهي الأسعار المتصاعدة بشكل جنوني في أجور السائقين، حيث قبل سنوات قليلة كان يتقاضى السائق راتب 1500 كحد أقصى، أما اليوم فارتفعت الأسعار ووصلت إلى الضعف في بعض الأحيان، وإن لم يعجبك الأجر فلا مشكلة أبداً! فغيرك من الأسر مستعد لأن يدفعه ومعه حبة مسك، لعلمه بحجم الأزمات والخسائر التي سيواجهها إن فَقَدَ عنصراً فاعلاً وأساسياً مثل السائق.. حيث أضحت بعض الأسر تقتسم رغيفها بالنصف حين تدفع نصف راتبها إلى السائق، وتحتفظ بالنصف الآخر لتُواجه به متطلبات الحياة المنهكة، ولا خيار آخر أمامها سوى الرضوخ لهذا الواقع المرّ، وهي تردد: العين بصيرة واليد قصيرة، حيث لا تُوجد جهة حكومية تنصفها وتُوقف معاناة تلك الأسر وذلّها أمام أجور السائقين - التي باتت تتجاوز رواتب بعض موظفي الدولة، ومكافأة حافز للعاطلين عن العمل - الذين باتوا يفرضون أصعب الشروط، بل ويهددون الأسر بالرحيل إن لم تزد راتبهم، وتُجاري التصاعد الكبير في الأسعار دون حسيب أو رقيب، خصوصاً مع الفوضى الجارية في نظام الكفالة والشكاوى المتزايدة من التلاعب والفوضى.
الأدهى من ذلك وما يُشيب الرأس فعلاً، هو أننا لا نعرف من أي بيئة هم، وما هي سوابقهم وتوجهاتهم؟.. نفتح لهم بيوتنا ونركب معهم في مساحة “متر في متر” ونستأمنهم أحياناً على أنفسنا وأطفالنا، وفي نهاية المطاف نكتشف ما يُدمي القلب ويُشيب الرأس، حيث منهم من هو مروِّج مخدرات، ومنهم من هو تاجر خمور، وبعضهم يجلب عمالة سائبة وملاحقة أمنياً لتقيم معه في مخدعه الصغير، بل منهم من طال أذاه أرباب عمله، فمسّ أطفالهم وتحرّش بنسائهم وهدد بناتهم وفضح سرهم وخانَ أمانتهم، والقائمة أيها السادة تطول كثيييراً! وفي جعبة كل منا قِصة مرعبة سمعها فاستعاذ منها، ودعا الله أن لا يكون أحد ضحايا هذه الظاهرة.
لست بصدد الحديث عن قضية قيادة المرأة والمطالبة بها، فهذا الموضوع قد شُبّع وتورّم نقاشاً وطرحاً، ولكني أتوجّه لرجال الدين والمشايخ الأفاضل الذين منعونا من القيادة تحت ذريعة أن سد الذرائع مقدم على جلب المصالح، أن يلتفتوا إلى ما يحدث داخل بعض البيوت السعودية المحصنة الآمنة من مصائب يندى لها الجبين، بسبب بعض هؤلاء السائقين الدخلاء الذين أجبرونا على أن نفتح لهم بيوتنا، ونقتسم معهم أرزاقنا، حتى هددونا وضحكوا علينا واستباحوا بيوتنا وعاثوا في بلادنا فساداً وخراباً، ليقينهم أن لا غنى لنا عنهم ولا تستوي حياتنا بدونهم، وأن عملنا ومواعيدنا وصلة أرحامنا لا تقتضي إلا بهم.
فراجعوا أنفسكم وخافوا الله في ضحاياهم، واخرجوا عن خطابكم المزخرف والمنمق وأعذاركم المستهلكة منذ سنين، فإن في الواقع شيئاً آخر يستدعي وقفة جادة، فإن مفاسد السائقين أخطر من قيادة المرأة لسيارتها لو تعلمون.
Twitter:@lubnaalkhamis