كنت قد كتبت العام الماضي في هذه الجريدة وفي العدد رقم 14041 مقالاً بعنوان: (في القصيم الأم ترعى المناسبة على خلاف المعتاد) على خلفية اختيار الإخوة (دخين ومسعد وعبدالله أبناء هلال العنزي) والدتهم، لتدشين معرضهم في بريدة، كنوع يجسد المعنى الجميل لخلق الوفاء وبر الوالدين، كخطوة غير مسبوقة في المملكة وغير معتادة، هذه الخطوة يبدو أنها راقت للآخرين، فقد قرأت مؤخراً في إحدى الصحف خبراً يحمل نفس المضمون، فقد كرّم أمير القصيم صاحب السمو الملكي فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، شخصين (لم أعثر على اسميهما لأذكرهما هنا) اختارا والدتهما لافتتاح مكتبتهما (التي يبدو أنها في بريدة) وأظهرت الصور قيامها بقص شريط افتتاح المكتبة، وهي ترتدي حجابها الكامل مفتخرة به، يحيط بها أبناؤها، في صورة جماعية رائعة، تشي بمعان عدة، أقلّها الاعتراف بفضل الوالدة، وبالتالي ردّ الجميل لها بهذه الخطوات المهيبة، ووفاء لأدوارها الكبيرة في تربية الأبناء، كيف لا! (والأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعباً طيب الأعراق)، مثل هذه المبادرات التي أعلنها أبناء القصيم البررة للمرة الثانية على التوالي، يجب -من وجهة نظري- أن لا تمر علينا مرور الكرام، دون الإشارة إلى مراميها وثمراتها، ولعلّ الوقوف عندها والثناء على من وفّق للقيام بها، يُلجم بعض الأقلام التي تنال من المرأة السعودية أو تحاول التنقص منها أو حتى تهميشها أو الدعوى بالحجر عليها، أيها القراء الأعزاء، ألم يكثر النيل دائماً من أهل القصيم وخاصة (بريدة) واتهامهم بالإنغلاق والتشدد ووصفهم بما ليس فيهم؟.. هاهم أبناء بريدة وأبناء القصيم عموماً يقدمون على خطوة، لم يقدم عليها غيرهم في الرياض وجدة والدمام وغيرها، هاهم يفنّدون الأباطيل المرجفة، أبناء القصيم يقدّمون دروساّ في الوفاء للوالدين وخاصة (الأم) دون خجل واستحياء، وها هي نساؤهم تلبي رغبات أبنائهن في حشمة كاملة ويُفزن بالاحترام المبجّل، هي المبادرات ليس إلا! تحتاج إلى من يعلق الجرس، لا لاحتقار الجنس الناعم، قراءتي لمثل هذه الخطوات، تشي بمستقبل كله أمل وإشراقات، مستقبل تكون المرأة فيه حاضرة وهي متحجبة، تقدم أدوارها المجتمعية بقوة وإن خاف المرجفون أو بربر المتفسخون، طفقت المرأة القصيمية مشاركة زوجها وأبنائها في التجارة وهي في قمة حفاظها على سماتها الدينية، صدقوني هي فترة بسيطة وتشاهدون المرأة في أنحاء بلادنا الغالية تحذو حذو امرأة القصيمية، قد يقول قائل متفلسف، وما الجديد؟.. نقول له ليس ثمة جديد، فكثير من النساء يعملن في التجارة وإن كنّ في الظلّ، لكن الجديد والملفت هو مشاركتهن فلذات أكبادهن في افتتاح مشروعات أبنائهن وهنّ (متحجبات) وركّز على الأخيرة (متحجبات) لم نشاهد في عصرنا الحاضر من تقوم منهن بهذه الأدوار المقصورة عادة على الرجال، من شأن مثل هذه المبادرات المباركة، إحلال البركة في مال الأبناء، وبث روح السعادة في نفوسهم، والأهم من ذلك كله، بر الوالدين وخاصة (الوالدة) وإشعارها بقيمتها في النفوس، مما يطيّب خاطرها، تستشعر بذلك قدرها الرفيع عند أبنائها، ما قام به أبناء القصيم لا يعدو كونه مبادرات ذهبية من العيار الثقيل، عنوانها (الوفاء ورد الجميل) تستحق الشكر والثناء والتقدير، وكأني بأمير القصيم لم يتمالك نفسه أمام هذه المبادرات غير المسبوقة، حتى قام بدور فاعل وملفت تجاه هؤلاء الأبناء البررة، فبعث لهما بخطاب شكر وتحية لخطوتهم الجريئة، وسموه وهو يبارك مثل هذه الخطوات الإيجابية ويشجع عليها، يقدم أنموذجاً للحاكم الإداري الناجح المتفاعل مع مجتمعه، يتلمس الجوانب المضيئة ويشدّ عضدها ويشجع أهلها، مبادرة أمير القصيم، دعم معنوي كبير للمرأة السعودية المحافظة، هذه المبادرة الأخيرة من ابني القصيم، كشفت لنا أمور، الأول: تعلق الأبناء بالوالدين -ولله الحمد- في هذا المجتمع المحافظ والطيب، والثاني: اهتمام القيادة الرشيدة ممثلة بالحكام الإداريين للمدن والمحافظات، بتشجيع أهل الوفاء والمبادرات الحسنة، وتقديم ألوان الدعم المعنوي لهم، والثالث: تفاعل المرأة السعودية مع مجتمعها المحافظ دون تقييد لحريتها كما يزعم دعاة التحرر، والرابع لم يتباهى هؤلاء الأبناء بدعوة مسؤول أو صاحب جاه لافتتاح مكتبتهما، بل فضلاً الوالدة لهذه المهمة على غيرها، تيمناً وتفاؤلاً بفضلها ورداً لجميلها ووفاءّ بحقها، هؤلاء الأبناء البررة في نظري، مثال يحتذى، فهنيئاً لهؤلاء الأبناء بهذه الأمهات الفريدات اللواتي ربّتهم تربية عملية إسلامية، آتت أكلها في تصرفاتهم، توجْن ذلك بمشاركتهن أفراح أبنائهن دون خجل أو استحياء، وهنّ متمسكات بحجابهن الكامل، كما في الصور المصاحبة.. بقي أن أهمس في أذن هؤلاء الأبناء البررة الأوفياء، زادهم الله تقى وبراً بآبائهم وأمهاتهم، بأن يحتفظوا بصور التدشين في أرشيفهم الخاص؛ ليشاهدها الأبناء والأحفاد، كي ينمي فيهم الاعتزازالافتخار بالمرأة السعودية، وأقول لهم أبشروا بالخير الوفير والبركة في المال والأولاد والعمر، وسيبركم أبناؤكم كما بررتم بآبائكم وأمهاتكم (بروا آباءكم يبركم أبناؤكم) لقد أقدمتم يا أبناء القصيم الأوفياء على خطوة جريئة سيحفظها لكم المجتمع، لم يسبقكم بها أحد، ويندر مشاهدتها، هذه صورة دعوية مشرقة يقدمها أبناء القصيم مع طبق من (السكري) و(الكليجا) لأبناء هذا المجتمع الطيّب، تجسدت فيها أسمى معاني أخلاق الوفاء والبر، حقاً إنها مبادرات على أرض الواقع، تستحق التوقف! تُغني عن كثير من المحاضرات حول بر الوالدين وخاصة (الأم) ألف تحية وتحية (لأبناء القصيم البررة) ونقول شكراً لأمير القصيم (فيصل بن بندر).. ودمتم بخير.
dr-al-jwair@hotmail.com