كل عام وهذا الوطن الكريم بخير وأمن وسلام، كل عام وقيادة هذا الوطن منصورة محمية بإذن الله، كل عام وقرائي الأعزاء بصحة وعافية وستر، كل عام وهذه الأمة تبحر بمركبها إن شاء الله نحو السلام والعدل والاستقرار ومقاومة الطغاة ومصاصي الدماء ومهلكي الحرث والنسل وزارعي الموت والدمار والخراب.
«هذا المقال يتناول موضوع السياحة بأسلوب ساخر، أرجو ألاّ تؤخذ أفكاره كلها على محمل الجد».
ليست «حَجَوا» بالأفريقية المعربة، فالحجاج قد قضوا شطراً كبيراً من مناسكهم، أسأل الله أن يتقبّل منهم جميعاً.
وإنما المعنى الذي أريده «هَجَوا» بفتح الهاء والجيم وتسكين الواو، أي انتشرَوا وانحاشَوا وهربوا إلى أرض الله الواسعة لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً منذ أن بدأت إجازة العيد أو قبلها بأيام؛ ولكن هذه الهجة زادت مع قرب العيد، وقد تبيّنت آثار الهجة التي لازالت قائمة بتخفف شوارع الرياض من الازدحام في أوقات كثيرة على الرغم من وفود أعداد كبيرة من خارج الرياض إليها من المدن والقرى القريبة للتسوُّق وتغيير الأجواء، فالرياض عند أهل بعض القرى تُعَد «باريس أو لندن أو لوس أنجلوس» مزاراً كبيراً ومنتجعاً فسيحاً للتنزُّه والفسحة والتسوُّق؛ لمن لم يتعوّد على السفر إلى مدن عالمية كبيرة، فتنتفي لديه المقارنة والموازنة بين ما يراه في الرياض وما يبهره من تنظيم ودقة ومعمار وحسن تخطيط وانضباط ونظافة وانسيابية في الحركة المرورية وتعدُّد في طرائق المواصلات، وخيارات متنوّعة في أماكن الاستقطاب للترويح والنزهة في مثل تلك المدن العالمية.
أكثر من مليون سائح سعودي يطرقون أبواب وفنادق وشقق دبي حتى ضاقت بهم، ولم يجدوا لهم مأوى إلاّ في سياراتهم في الشوارع ! وحذّرت السفارة السعودية أبناء البلاد من القدوم إلى دبي دون حجوزات مسبقة للسكن، فما الذي دفع أكثر من مليون سائح للهجة إلى دبي، ومثلهم أو أكثر يهجون إلى تركيا والقاهرة وإلى بعض دول أوربا؟! أما بيروت فإنّ نصيبها يكاد يكون في هذه الإجازة صفراً من السياحة بسبب إجرام النظام النصيري وعميله حزب الله وعبثهما بالأمن والتفجيرات والاغتيالات المتكررة؛ مما نفّر السواح وعطّل حركة السياحة في لبنان بعامة.
قد يقول قائل: إنّ النفس بطبيعتها تهوى السفر وتعشق التغيير، وترتاح للتنقُّل من بيئة إلى أخرى ومن مكان إلى غيره؛ هذا صحيح؛ لكن إذا أخذنا بهذا المنطق ومن باب القياس لِمَ لا تشكّل السياحة من الطرف الآخر إلى بلادنا مصدراً رئيساً ومهماً للدخل كما لدى كثير من الدول؛ بما أنّ القضية هي رغبة في تغيير الأجواء فحسب؟ ولا نستطيع أن نعد الحج أو الزيارة سياحة ؛ لأنها واجبات دينية محدّدة الوجهة، أما السياحة بمفهومها الحقيقي لمناطقنا الجميلة من حيث الطبيعة والتاريخ فلا تشكّل نسبة تذكر؛ لأنّ بعضها لم تكتمل بنيته السياحية الرئيسية أو لم توضع فيه طوبة واحدة كمنشأة سياحية؛ مثل الباحة وبلجرشي، والطائف وأبها ونجران ومدائن صالح وحقل وفرسان والدرعية وغيرها.
الهجة تكون عادة لمن استطاع لمكان بهي مورق بالجمال والتسامح واكتمال الخدمات، من مواصلات وسكن ووسائل ترفيه ورقي في التعامل وانضباط في الحياة العامة، ولم يهج إلينا إلاّ القليلون ممن يحبون بلادنا ويشعرون بانتماء وحنين إليها ويرتاحون للتعامل العفوي الطيب الذي يجدونه من أبناء البلاد.
ففراغ المدن والقرى من كثير من ساكنيها لهجّتهم إلى خارج البلاد أمر طبيعي جداً؛ مع تواضع الخدمات لدينا وأحياناً انعدامها، كوسائل المواصلات من قطارات وخطوط جوية متعدّدة وفنادق وشقق ممتازة في بعض المناطق السياحية؛ ليعود المواطنون إلى بلادهم بعد تنفيس عن النفس، وبعد تجوال وهجة راضية شاكرة في أرض الله الواسعة إلى وطنهم الحبيب بروح وثّابة ونشاط مفعم بالحيوية واندفاع نحو خدمة وطنهم الذي أكرمهم بالاطلاع على العالم، وأوصلهم بما منحهم من رفد مالي ليحط بهم مكرّمين معزّزين في أجمل بقاع العالم القريبة والبعيدة؛ ليعودوا من بعد وقد امتلأت خيالهم ووجدانهم بما يحسن عمله وإضافته من تطوير وبناء، وبما يعيش عليه العالم المتحضر من أساليب عيش وطرائق في تنظيم الحياة، فيكتسب منهم العادات الجيدة ويطرح ما لا يتناسب مع قيم ديننا الإسلامي، مما تعوّدنا وتشرّبنا عليه من أخلاقيات، وإننا على هذا النحو من السياحة نخلق وعياً نوعياً وكأننا نعيد صياغة مفهومات طبقة كبيرة من المواطنين ونمنحهم جرعات قوية من الزاد المعنوي والطاقة، وفي الوقت نفسه ندع قضية صناعة السياحة المحلية تسير كما تشاء دون حث ولا إزعاج بالمقالات والمطاردات الكتابية؛ حتى أصبحت الصحف ووسائل تبادل الرأي في الإعلام الجديد مزعجة بدل أن تكون مفرحة مسلية.
إنها ليست دعوة وطنية إلى الهجة ولكنها قراءة للحالة كما هي، بأمل إصلاح وتوفير الكثير من الخدمات التي تساعد على تحجيم ظاهرة الهجة.
moh.alowain@gmail.commALowein@