لو سألتني ما هو الدرس الوحيد الذي تعلمه العرب خلال السنوات والعقود الماضية، فسأقول لك: إن العالم العربي تعلّم أن الانتخابات الأمريكية ليست ذات معنى أو تأثير على مجريات الشأن العربي.. وقد كنّا في عالمنا العربي نتابع بشغف، ونراقب باهتمام من سيفوز في الانتخابات الأمريكية..
ولكن ما نلاحظه خلال الانتخابات الحالية وربما ما قبلها هو تلاشي الاهتمام العربي بهذه الانتخابات، وتدريجياً ستكون ربما نسياً منسياً..
ومعظمنا يعلم أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستجري الثلاثاء بعد القادم وفيها سيتم انتخاب أحد المرشحين: باراك أوباما عن الحزب الديموقراطي الرئيس الحالي، أو ميت رومني مرشح الحزب الجمهوري.. ولكن الاهتمام بمن سيأتي رئيساً جديداً للولايات المتحدة الأمريكية لم يعد يشكل فارقاً في قضايا المنطقة العربية وقضايا الشرق الأوسط.. ولن تتأثر قضايا وموضوعات المنطقة بباراك أوباما أو بميت رومني.. كما لم تتأثر قضايا المنطقة خلال الأربع سنوات الماضية بكون أوباما هو الرئيس أو كان منافسه جان ماكين هو الذي تولي السلطة قبل أريع سنوات.. فلم يعد يفرق أي من الأشخاص يأتي إلى سدة الرئاسة الأمريكية..
سئم العالم العربي من متابعة شئون الانتخابات الأمريكية، وسئم من متابعة استطلاعات الرأي العام التي تتشكل وتتغير بين يوم وليلة تبعاً لمزاجات الشعب الأمريكي، وتبعاً لمتغيرات الوجوه والكلمات، ونفسيات المرشحين، وتسريحات الشعر أو ربطات العنق أو لون الملابس، أو حتى معاشرتهم لكلابهم وقططهم.. ومصدر سئم العالم العربي هو اليأس الذي تكرَّس في العقل العربي من السياسة الأمريكية في تحريك القضايا العربية وخاصة وتحديداً القضية الفلسطينية.. فباتت تمر انتخابات الرئاسات الأمريكية واحدة بعد أخرى دون أن يكون هناك أدنى تغيّر نحو حلِّ المشكلة الفلسطينية.. وحتى حماس السنتين الأوليتين من عهد الرئيس الأمريكي تتلوها فتور وتراجع في السنتين الأخيرتين نحو حلِّ أو إيجاد تسوية واتفاقية سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
كما أن السنة الأخيرة من عمر الفترة الرئاسية (عندما يكون الرئيس ضمن المرشحين) وهي السنة الانتخابية يتم فيها مزايدات كبيرة بين المرشحين بهدف ترضية إسرائيل وتقديم كل سبل المساعدة والمعونات العسكرية والمادية حتى ترضى، ويرضى معها اللوبي الصهيوني في واشنطن على أي المرشحين.. وزيارات إسرائيل ليست بدعة في الحملات الانتخابية بهدف تأكيد الولاء والطاعة لها من قبل جميع المرشحين..
وبناء على هذه الخلفيات، لم يعد العرب مهتمين بمن يدخل أو يخرج من البيت الأبيض.. فالجميع متساوٍ في المواقف من العالم العربي وقضاياه، والجميع متساوٍ في المزايدات مع إسرائيل واللوبي الصهيوني الممثل لها في المؤسسة السياسية الأمريكية..
كان العالم العربي يسهر الليالي ويواصل نهاراته حتى يتابع مجريات نتائج الانتخابات الأمريكية، حتى يعرف من هو الرئيس المقبل للولايات المتحدة ظناً منه أن السياسات ستتبدل، والمواقف ستتغير، والأزمات ستنفرج، والحق العربي سيعود على يد هذا الرئيس أو ذاك.. ولكن مع الوقت ومرور السنوات اكتشف العالم العربي أن متابعة الانتخابات الأمريكية هي مضيعة للوقت، وتشويش على التفكير، وتسويف للمستحقات العربية.. وأصبح العالم العربي مدركًا تمام للعبة الانتخابات الأمريكية، فرئيس يأتي ورئيس يغادر، ولكن تظل السياسات هي كما هي لا تتغيّر، ثابتة في مساندتها لإسرائيل، وثابتة في ضغوطاتها على المواقف العربية.. ولهذا لم يعد هناك فرح أو سعادة في نتائج أي من هذه الانتخابات، سواء أكانت رئاسية تحديد من سيكون الرئيس، أو كانت تشريعية، من سيمثِّل ولايته في مجلس الشيوخ أو من سيمثِّل مقاطعته في مجلس النواب.. فالأمور سيان لدى العرب.. لا تغيّر محتمل في سياسات أمريكا في المنطقة وهذا مصدر تعاسة العالم العربي..
مرحلة اليأس التي تجتاح العالم العربي لم تأتِ من فراغ، أو تترسخ دون مسببات، فهي نتيجة تراكمات الفشل الأمريكي في الشرق الوسط وسياسات البيت الأبيض في المنطقة العربية.. وهذا ما دعانا إلى عدم الاكتراث للانتخابات الأمريكية، فسواء استمر باراك أوباما لفترة ثانية، أو قدم للبيت الأبيض ميت رومني فلن تتغيّر السياسات الأمريكية كثيراً أو قليلاً.. ولكن يجب التأكيد هنا إلى أن ملامح شكلية تبدو ظاهرة للعيان في أوقات وفترات الانتخابات، ولكن مع تسلم السلطة التنفيذية تعود الأمور كما كانت، وتبقى دون تغيّر.. ومع تزايد نسب اللا مكترثين من الرأي العام العربي للانتخابات الأمريكية، تظل هناك نسبة ضئيلة لا تزال تهتم وتواصل بحثها ومتابعتها في الشأن الانتخابي الأمريكي، فهؤلاء ربما يكونون ساسة مضطرون للتعامل مع الإدارات الأمريكية الجديدة، وربما يكونون إعلاميين يستوجب عملهم معرفة ما يدور من أحداث انتخابية يجب نقلها وتفسيرها إلى الجمهور الإعلامي، وربما يكون هناك أكاديميون مهتمون بمجريات الاتصال السياسي في المجتمع الأمريكي، وأحد أبرز هذه الأشكال هي الانتخابات الرئاسية.. ولكن تظل الأغلبية العظمي من أبناء وبنات العالم العربي هم في طور اللا مكترثين أو اللامبالين بأمور هذه الانتخابات..
alkarni@ksu.edu.saرئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود