نشرت بعض الصحف الإلكترونية صوراً حيَّة لعائلات سعودية يفترشون رصيف كورنيش مدينة الدمام بعد أن أنهكهم التعب وبعد أن أعياهم البحث عن سكن يؤويهم، ولما لم يجدوا سكناً اتجهوا للكورنيش يقضون بقية ليلتهم بأمل الحصول على غفوة تريح أجسادهم المتعبة، وبأمل أن تحمل تباشير اليوم الجديد أخباراً سارة بالحصول ولو على غرفة يقضون فيه بقية الأيام، وكان قدوم تلك العائلات للمنطقة الشرقية بهدف السياحة وقضاء بعض الوقت على شواطئها.
هذه الصورة للأسف تتكرر سنوياً، بل في كل موسم سياحي نتيجة الزحف الرهيب من سكان المناطق المجاورة وخصوصاً العاصمة الرياض، فالشرقية هي الرئة التي يتنفسون منها ولا خيارات أخرى سوى التوجه إلى المدن الخليجية المجاورة وخصوصاً دبي وهي المدينة الأولى، إذ تحظى بنصيب الأسد من السيّاح السعوديين الذين يتجاوزن المليون في هذه الأيام، حيث اعتدال الأجواء وتوافر الخدمات، يليها مدن أخرى مثل الدوحة والمنامة والكويت.
في الشرقية قد يشكّل ارتفاع أسعار الفنادق والوحدات السكنية المفروشة أو ندرتها عائقاً أمام الأسر محدودة الدخل ووقتها لا يجد رب الأسرة سبيلاً سوى التوجه للكورنيش أو الشواطئ، وكانت الخيام - قبل أن تُمنع- حلاً لمن لا يملك حلاً يحمل الخيام والعزبة ويروق مع العائلة في سياحة شبه مجانية، لكن أظن أن ظاهرة الخيام ومع تنامي مظاهر المدنية الحديثة اختفت أو كادت، لذلك فليس أمام رب الأسرة إلا المبيت ليلاً في الكورنيش وتحمّل الرطوبة ثم التوجه صباحاً للإقامة تحت ظل الأشجار في الحدائق العامة والتسكّع في الأسواق والمولات، ومن لا يستطيع العيش في مثل هذه الظروف الصعبة فأظنه لن يجد خيارا أنسب من العودة من حيث أتى. روى لي صديق وهو من متوسطي الدخل وقادر على دفع الإيجار قصته قبل خمس سنوات يقول قررت ليلة العيد واستجابة لضغط العائلة و(زنّهم) المتواصل الذي يفك اللحام التوجه إلى المنطقة الشرقية لقضاء إجازة العيد في أجوائها المعتدلة، وحين وصلت إلى هناك حوالي الثامنة مساء انهمكت في البحث عن سكن حتى ولو كان غرفة رغم أن حاجتي ماسة لثلاث غرف، لم أترك شارعاً ولا حياً إلا وبحثت فيه دون جدوى وعندما يئست ومللت ذهبت مع عائلتي إلى الكورنيش وفرشنا ما معنا من فرش كي ننام ولكن لم نستطع بسبب الرطوبة وكثرة الناس حول البحر، عندها قرّرنا حوالي الساعة الثانية صباحاً العودة إلى الرياض والتي وصلناها السادسة صباحاً فنمنا ولم نصح من شدة التعب إلا الرابعة عصراً بعد أن طار العيد علينا وصرنا مثل معيد القريتين!
صاحبي هذا نوعيته كثر، وهذا التصرف نابع من ثقافة سياحية متدنية، يقرّر رب الأسرة السفر للسياحة في دقائق معدودة ثم يركب سيارته بصحبة عائلته تاركاً داره ومن خرج من داره قلّ مقداره، ولو سألته حجزت يقول لك لا، طيّب معك فلوس كفاية يرد عليك بثقة غير الواثق تتيسر وفي النهاية إذا كان حظه جيداً حصل على سكن بشق الأنفس وإلا كان مصيره غفوة على الكورنيش أو عودته سريعاً إلى داره التي تركها بطوعه واختياره كحال صاحبنا قبل خمس سنوات.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15