|
لقاء - خالد الدوس:
أكد الرياضي المخضرم والشوري الأسبق, والأكاديمي المختص في الشأن الاجتماعي والإعلامي.. الدكتور بدر كّريم أن غياب المسئولية الاجتماعية في المجتمع الرياضي السعودي.. جاء لغياب الوعي الرياضي والإحساس الإنساني.. مشيراً إلى أن (الوعي) مسئولية جمعية يشترك في بنائه المؤسسات الاجتماعية, وأوضح أن المسئولية الاجتماعية تعني المشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية ودعم المشروعات الإنسانية.. سواء كانت مشاركة فردية أو اجتماعية, وشدد قائلا: إن مبادرة نادي الهلال بإنشاء إدارة تعني بالمسئولية الاجتماعية ودعم الأعمال الخيرية تعكس الصورة النموذجية للحس الوطني والعمق الإنساني للإدارة الهلالية الواعية, كما أشار الإعلامي الكبير إلى قضية غياب البحث العلمي عن دراسة المشكلات الرياضية بشمولها وعلاقته بإخفاقات الرياضة السعودية, مؤيدا بتحويل رعاية الشباب إلى وزارة لاستيعاب المتغيرات الديموغرافية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.. إلى نص اللقاء:
- قبل أكثر من عام تم استحداث لجنة المسؤولية الاجتماعية بالاتحاد السعودي لكرة القدم.. لتوفير أنشطة وبرامج أكثر فعالية تعمل على دعم الفئات الرياضية وتقديم العون والإسهام في الأعمال التطوعية والخيرية.. غير أن هذه اللجنة ولدت ( خديج)..! غير قادرة على إبراز نشاطها وتحفيز الأندية وحثها على القيام برسالتها الرياضية والمجتمعية بما يحقق أهداف المسئولية الاجتماعية، ما رأيك؟
- أعتقد أن من المناسب استقصاء أسباب عدم قيام اللجنة بالواجبات المنوطة بها « لعل لها عذرا وأنت تلوم « ويبدو لي أن هناك أسبابا لم تكشف عنها اللجنة، أو لم يطرحها الإعلام الرياضي عليها، أو على المتابعين لنشاطها، على أن المسؤولية الاجتماعية ليست سهلة، وفي المقابل ليست صعبة، وهاتان المعادلتان يمكن التوفيق بينهما. المهم أن تحقق اللجنة نقلة نوعية للرياضة السعودية ككل، وليس كرة القدم فحسب، والزمن يمضي، والقطار لا ينبغي أن تتوقف عجلاته عن السير، وإذا توقفت فلن ينفع البكاء، ولا الندم على اللبن المسكوب.
من ناحية ثانية أقترح على الأندية الرياضية، أن تقدم تصوراتها لكيفية عمل اللجنة، وتفعليها، وهذا ليس عيبا في قدرات اللجنة الموقرة، وإمكانياتها، بقدر ما هو مشاركة و» يد واحدة لا تصفق».
- غياب ثقافة المسئولية الاجتماعية في المجتمع الرياضي تحديدا.. كشف عمق أزمتنا وتأخرنا حتى في تفاعلنا مع هـمومنا وقضايا الإنسانية ضمن الإطار الرياضي الاجتماعي.. بماذا تعزو ذلك؟ وكيف ننمي هذه الوعي الإنساني في مجتمعنا الرياضي؟
- قبل القفز على النتيجة، ينبغي أولا معرفة الأسباب، ولا تنسى أخي
خالد نظرية «لكل سبب نتيجة» ونظرية «لكل فعل رد فعل، مساوٍ له في القوة، ومضاد في الاتجاه» وإذا «عُرِف السبب بَطُلَ العَجَب» وأنا معك في أن الهموم الرياضية كثيرة، وأن الوعي الرياضي شبه غائب، ولا أدعي أنه غائب، وحتى لو سلمت معك في غيابه، فإن هذا الوعي ليس مسؤولية فردية، ويصعب أن تقوم به جهة واحدة. الوعي- كما المسؤولية- مسؤولية جمعية، تبدأ من البيت، فالمدرسة، فالمعهد، فالكلية، فالجامعة، فالجامع، فالمسجد، بل سائر المؤسسات الاجتماعية، ومن « شب على شيء شاب عليه» وإذا شب أفراد المجتمع وبخاصة المجتمع الرياضي على وعي أسري، ظل هذا الوعي يرافقهم في كل دروب الحياة، وتتكامل دورة الوعي مع الإحساس المتنامي بأن « يد الله مع الجماعة».
- المسئولية الاجتماعية تعمل على المشاركة الفردية للاعبين في الأعمال الخيرية والتطوعية ودعم المشروعات الخيرية ضمن الإطار الرياضي والاجتماعي .فمعظم نجوم الكرة بالعالم يهرول في المضمار ويُفَعِّلون أدوارهم الإنسانية و دعمهم للأعمال الخيرية كونـهم يحملون على عواتقهم مفهوم المسؤولية الاجتماعية .. سؤالي هنا..هل للحس الإنسانـي دوْر؟ أم للوعي المجتمعي اتجاه آخر في هذه الإثراء من نجوم العالم؟
- كلاهما له دور، لكنّ الاستعداد الإنسانـي مهم. لا تستطيع أن تطلب من إنسان أن يتطوع لأداء عمل ما، دون أن يكون عنده استعداد إنسانـي، والرياضيون أناس ينبغي أن يتمتعوا بحس إنسانـي، ومن هنا فهم مطالبون بالتطوع في الأعمال الخيرية، والإنسانية، المشروعة، ليكونوا قدوة حسنة للآخرين.
- في الوقت الذي تتكئ فيه معظم الأندية الأوروبية على عوائد استثمارية مالية كبيرة لم تغفل عن مسؤوليتها الاجتماعية أو ركل كرة جَمْع الأموال الاستثمارية في خزينتها دون أن تسجل (هدفا) نبيلا في شِبَاك الأعمال الخيرية -فمثلا- نادي برشلونة خصص 7 % من عوائده السنوية دعما لذلك الاتجاه الإنسانـي .. يلاحظ غياب شبه تام فـي مجتمعنا الرياضي.. كيف تقرأ هذا التباين؟
- الاستثمارات الرياضية في الأعمال الخيرية، تنبع عادة من حس وطني، وإذا غاب هذا الحس-وهو أمر مؤسف بالنسبة للاستثمارات الرياضية السعودية- فيحتاج إلـى من يوقظه، وخير من يوقظ هذا الحس، الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية، فإذا انعدمت، وذبُلَتْ، فلم تعد سلعة قابلة للتصدير، من خلال الأندية الرياضية، التي غرق بعضها في دفع أموال طائلة، للاعبين محترفين من الخارج، على حساب الأعمال الخيرية، فمن يوقف هذا الـهدْر المالـي؟ ومن يعيد الكرة للمرمى الصحيح؟
- ربما يشكل نادي الـهلال نموذجا للأندية السعودية بتكريسه ثقافة المسئولية الاجتماعية والقيام برسالته الرياضية والمجتمعية ..حين أنشأ مؤخرا إدارة تعني (بالمسؤولية الاجتماعية) وخصص 3.4 % من عوائده السنوية لصالح الأعمال الخيرية.. كمبادرة واعية تعكس الصورة الحقيقية للحّس الوطني والإنساني للإدارة . ما رأيك في هذه اللفتة الـهلالية؟ وماذا تقول عن بقية الأندية التي غيبت التزامها الإنسانـي والأخلاقي، ولم تُفَعِّل دورها في التنمية الاجتماعية جنبا إلى جنب مع دورها الرياضي؟
- أود أن يكون في وطني أكثر من نادي هلال واحد، أن يكونوا عشرة، ويستفيدوا من تجربة نادي الـهلال، بل ويضيفوا إليها إضافات جديدة، مسجلين بذلك ريادة غير مسبوقة، فمن يقرع الجرس؟ ومن يتخذ من الـهلال قدوة ونبراسا؟
- الأندية تحمل شعار رياضي - اجتماعي - ثقافي ربما أن النشاط الاجتماعي شبه معطل في معظم الأندية ... برأيك كيف يُفَعّل هذا النشاط الحيوي، وتبرز إسهاماته في الأعمال التطوعية والخيرية ..وتعزز دوره جنبا إلـى جنب مع دورها الرياضي؟
- النشاط الاجتماعي ميدان واسع، تدخل فيه: القراءة، والمشاهَدَة، والاستماع، والفكر، والثقافة، وكل ما له صلة بالمجتمع، وأستغرب من أندية رياضية لا تفكر في استجلاب مختص في الشؤون الاجتماعية، لإلقاء محاضرة، أو تقديم تجربته للرياضيين، وبخاصة الشباب منهم، وفي المجتمع السعودي مئات المختصين في الشؤون الاجتماعية، بوسعهم الإسهام في إثراء الجانب الرياضي بعلمهم، وتجاربـهم، وخبراتـهم .
- هل غياب المتخصصين في الشأن الاجتماعي داخل معظم الأندية أسهم في ضمور وضعف نشر ثقافة المسئولية الاجتماعية؟ أم أن وسائل الإعلام الرياضي لـها دور في هبوط أسهم هذه الثقافة الواعية في الوسط الرياضي؟
- هو مزيج من هذا وذاك. غياب وهبوط، والنتيجة حسرة وتحسر، تتحسر على ناد رياضي لم يفكر في الاستثمار الاجتماعي، لا أعني الاستثمار المادي، بل الاستثمار الذي يحرك العوامل الاجتماعية، ويفضى إلـى مكاسب مجتمعية، لا تقف عند حد معين.
- معروف أن المسئولية الاجتماعية تعني التزاما أخلاقيا وإنسانيا من المنظمات والأفراد.. وتعمل على تكثيف المشاركات الفردية للاعبين في الأعمال الخيرية والتطوعية .. ومنها زيارة إدارات الأندية أو نجوم الكرة لبعض اللاعبين السابقين المصابين خاصة من أقعده المرض، وتكالبت عليه الأوضاع الصحية، وهم كُثْرٌ في مجتمعنا الرياضي، غير أن هناك قصورا واضحا في المشاركة الفردية تجاه زملاء كانوا نجوما وبعد اعتزالـهم أقعدهم المرض, كيف ننمي هذا الحس الإنساني؟ ونعمق المسئولية الاجتماعية تجاه هؤلاء؟
- والله هذا عيب، عيب أن يتعرض أولئك للنكران والتنكر، وعيب ألا تكون هناك جمعية تصونـهم من: الفاقة، والحرمان، هم ليسوا في حاجة إلا لمن يسأل عنهم، لمن يقول لـهم: كيف حالكم؟ من المعيب حقا أن يغيب هؤلاء في زحمة الحياة، وفي بَطَرِ النِّعمة من بعض الرياضيين، الذين قد ينسوْن أنّ الدوْر آت عليهم، فهل يقبلون نسيانا، وتنكرا، ونُكرانا؟
- دعنا نستثمر هذا اللقاء مع خبير اجتماعي ورياضي وإعلامي وشوري سابق ونسألك في ظل التباين والمعارضة الحاصلة تحت القبة الشورى.. حول جدلية تحويل الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة .. برأيك كخبير هل تؤيد تحويل قطاع الشباب والرياضة إلى وزارة ؟ إما أنت مع الجانب الشورى المعارض؟ ولماذا؟
- كتبت مقالا في صحيفة المدينة المنورة ( 25 جمادى الأولى 1433هـ، ص 25 ) أطالب فيه بوزارة للشباب، ممن أعمارهم بين (15) و (24) عاما، وهؤلاء زهاء أربعة ملايين شاب ( إحصاء عام 1431هـ) أيْ نحو (21%) من إجمالي السكان السعوديين، ونحو (35%) من السكان في عُمْر العمل، هذه القوى البشرية قالت عنها خُطّة التنمية التاسعة:» أكثرَ القُوى الـمُؤَثِّرة في سُوق العَمَل، وأكثرَ فئات المجتمع رغبةً في التجديد، واستيعابِ المتغيرات الثقافية والاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية، وأكثرَها قُدْرَةً على التفاعل» وحذّرت مِنْ بقاءِ هذه الطّاقة كامنة « ما لم ينجح المجتمع في إيجاد البيئة المساعِدَة للاستفادة منها، من خلال السياسات والبرامج المناسِبة، وتساءلت: أَلَـمْ يحن الوقت لإطلاق وزارة للشباب؟ إن لم يكن هذا الوقت مناسبا فمتى يكون؟
- برأيك هل الانكسارات والتعثرات التي حصلت للرياضة السعودية خلال العقديْن الأخيريْن يعود إلى غياب التعامل مع البحث العلمي بمكوناته الثرية وأساليبه الناجعة، كما تفعل الدول المتقدمة -والاكتفاء في التعامل مع هذه الإخفاقات بالأساليب غير علمية وبالتالـي استمرت عجلة الفشل الرياضي؟
- بالتأكيد، غياب البحث العلمي عن دراسة المشكلات الرياضية، ضياع، وإخفاق، وفشل، وأي ناد رياضي يحترم نفسه لا بد أن يطرق أبواب البحث العلمي، ولعل عدم الاهتمام به أفضى إلـى ما أفضى إليه وضع الأندية الرياضية الآن، وإذا أرادت معرفة الأسباب، ووضع التصورات الصحيحة لمعالجة الأخطاء، فلتطرق أبواب البحث العلمي.
- كيف نوجد رياضة متوثبة، قادرة على الحضور المتوقع قاريا وعالميا.. تعيد العصر الذهبي للكرة السعودية ؟
- أهل مكة أدرى بشعابـها» وأهل الرياضة أدرى بما يحيط بـهم من مشكلات وقضايا، والخبرة موجودة، والخبراء موجودون، والمال موجود أيضا، وما يتبقّى سوى الإرادة، والعزم، والتصميم على بلوغ التحسُّن، والحَسَن، والأحسن.
- كلمة أخيرة تود أن تقولـها؟
- ليت أعضاء مجلس الشورى، الذين رفضوا إطلاق وزارة للشباب، يعودون مشكورين لخُطّة التنمية التاسعة، وللدراسات التي أجرتها مؤسسات حكومية مختصة وموثوق بها، ليعرفوا كم الشباب في حاجة فعلا لوزارة.