بعد أن اتجهت الأنظار حول ورقة الامتحان الأخيرة لخطة المبعوث الدولي السيد كوفي عنان بشأن الأزمة السورية.. أثبتت النتائج والمعطيات أن هذه الخطة كانت تدور في حلقة مفرغة.. وأن الرهان على نجاحها كان بمثابة رهان على التقاط إبرة من كومة قش حيث لم يكن أمام النظام السوري أيُ برهان على حسن النوايا تجاه كل التجاوزات وأعمال العنف والمجازر الدموية وقسوة الملاحقة لأصحاب الأصوات المنادية بإسقاطه.. ومادام الدم قد سال من أجل الحرية والكرامة فإن الحالة لن تعود إلى الوراء إطلاقاً
وهذه حقيقة ثابتة لايمكن إغفالُها بأي حالٍ من الأحوال.
مهمة عنان كانت أشبه بخيطٍ واهٍ متعلقٍ بخيوط العنكبوت لذلك أقرً بفشلها خلال مقابلة نُشرت له غداة انعقاد مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في باريس وما يؤكد هذا الفشل هو تغيبه عن المؤتمر وعدم المشاركة فيه.. إذن هل إسدال الستار على خطة المبعوث الدولي السيد كوفي عنان ستُبْقي إصرار وتصميم الشعب السوري على نيل حريته وكرامته محاصراً مع كل قتيلٍ يسقط برصاص النظام؟ وإلى أين يتجه الواقع السوري والتصعيد الدموي مسلسل لا نهاية له ؟أسئلة صعبة والأصعب منها الإجابة عليها.
فإذا كان الشعب السوري بكافة أطيافه يرنو للإنعتاق من كل صور الاستبداد والظلم.. ويتوق باعتراف كامل لكل استحقاقاته والتي هي استحقاقات تاريخية لأي شعب من شعوب العالم.. إلا أن هناك معادلة عسيرة بل أشبه ما تكون بالمعادلة المستحيلة فرضها النظام السوري وواجه بها شعبه [الموت.. وتأبيد الاستبداد.. وتدخل حلفاء النظام للمساعدة في عمليات القمع.. وقتل الصوت المطالب بالحرية والعدالة] فإذا كانت هذه المعادلة ليست نهجاً غائباً عن النظام السوري طيلة عقودٍ من الزمن.. بل تنامت وتيرتها وزادت حدتها خلال الثورة.. فاقتران تدخل الحلفاء [روسيا.. إيران.. الصين] في هذه المعادلة جعل من الملف السوري ملفاً متقلباً في الرأي الروسي وباتت موسكو محطة توقف وعبور لهذا الملف قبل أن يصل إلى دمشق لما لروسيا من عمقٍ إستراتيجي يبقيها لها شعرة تماس في منطقة الشرق الأوسط خوفاً من الإنفراد الأمريكي على ساحة المنطقة .
الصراع محتدم.. والأزمة السورية لم تعد محصورة في دائرتها الجغرافية بل أصبحت رهن إرادات أقطاب دولية وتجليات الموقف الروسي المراوح ما بين معارضٍ أحياناً وشبه مستحيل أو مبهم في أحيان أخرى يعكس نوعاً من النوايا الانتهازية للقيادة الروسية ذات الهواجس المتغيرة المتقلبة بين عشية وضحاها والتي تأبى نفض يدها عن مساندة ودعم النظام السوري فالمصالح فوق كل شيء.. البراغماتية الروسية تعتبر الورقة السورية هي ورقتها الرابحة في منازلاتها الدولية والإقليمية فإذا كانت رياح المصالح هي المحرك الرئيسي تجاه ما يحدث في سوريا.. فهل تتفادى أمريكا وروسيا صداماً مباشراً في هذه البقعة الملتهبة من منطقة الشرق الأوسط..؟ ليس خافياً على أحد بأن هناك اتصالات ومباحثات تدار خلف الكواليس بين هذين القطبين ولكن بغض النظر عن كل ما يدور تحت طاولة المفاوضات.. فإن المشهد المعلن من مباحثات الطرفين تصفه وزيرة الخارجية الأمريكية بأنه بناء..
في الوقت الذي ينفي فيه وزير الخارجية الروسي أن يكون هناك أيُ رسمٍ محدد المعالم لمرحلة ما بعد الأسد.
باختصار الورقة.. هي ورقة لعب ثنائية تتداولها بورصة قطبي التنافر الأمريكي والروسي في وقت نرى فيه دبابات الأسد الملتحف زوراً بالعروبة تدوس أجساد البشر.. ورصاص قناصته يفتت جماجم الأبرياء والمستضعفين.. لكن عَصيٌ عليه أن يمنع تدفق تيار حرية الشعب السوري والذي يزداد كل يوم تجذراً وصلابة.
ثورة لاتسير في طريق أحادي الأبعاد.. وشعبٌ صامد لم يراهن على زمن.. ونظامٌ يتآكل ويعيش حالة إرهاق متزايدة وينتحر على إيقاعٍ بطيء لكنه يراهن على الزمن فيعوض برفع حدة القمع..
صدامٌ بين قوة عسكرية مجردة من كل المعاني الإنسانية.. وبين قوة شعبٍ متسلح بقوة إيمانه بالله ثم بالحقوق والعدالة المُغتَصبة.. وملفٌ سوري شائك ارتبط بأجندات وتحالفات سياسية عريضة على مستوى العالم.. ونظل نتابع المشهد بحرقة وألم.
zakia-hj1@hotmail.com