لم تنجح الكاميرا في نقل كل ما شعرت به حينما امتهنت (التسوّل في شوارع الرياض)، لأعيش مع المتسوِّلين وأتعرَّف على عالمهم المليء بالألغاز وعلامات الاستفهام:
من أين أتوا؟! وما هي جنسياتهم؟! وأين يعيشون؟! وهل هم يعملون لحسابهم الخاص أم تديرهم بالفعل عصابات إجرامية محترفة..؟!
المال هو (مفتاح الأسرار) ولأنهم (يبحثون عنه) كان من السهل كشف بعض (خيوط اللعبة) عندما سال لعاب أول فوج وجدته من المتسوِّلين (المتسلِّلين)، عشرين ريالاً كانت كفيلة باختصار الجهد والإجابة على بعض الأسئلة من قبل (3 نساء ورجل وطفلة) بعيداً عن الكاميرا كشفوا أنهم يعملون ضمن (قافلة رمضانية كبيرة) من النساء والأطفال وصلوا قبل أيام للسعودية استعداداً لانطلاق الموسم، حيث تم تأمين منزل لهم في البطحاء مع مجموعة أخرى ويتنقَّلون بين الإشارات والمساجد بسيارة صغيرة للمشرف عليهم..؟!
هنا تأكَّدت من أن هناك (شبكات منظَّمة) تعمل على أرض الواقع في شوارعنا، (تهريب + إيواء + تخطيط لجمع المال). في موقع آخر قال لي (شابان ورجل مسن) إن كل منهم يعمل لحسابه الخاص ودخلهم متفاوت، هم من يختار المكان والزمان للعمل ولا يوجد لهم أي غطاء أو حماية من أي عصابة وما يحصلون عليه يومياً لا يقل عن (خمسين ريالاً للشخص) وعلى بابك يا كريم..!
شاب آخر قال لي إنه يرى في أحد (أبناء قريته) قدوة له، حيث تقاعد عن التسوّل في السعودية مؤخراً بعد أن أمَّن له سكناً وحياةً كريمةً في بلده، وهو يريد أن يتوقف عن التسوّل بعد أن يحقّق مثل هذه الأحلام لأمه وأبيه المسن هناك..!
الساعة (الثانية ظهراً)، الشمس ساطعة ودرجة الحرارة تجاوزت الـ (46 درجة)، الموقع (شارع العليا العام)، كان لا بد من نزع الحياء وعزة النفس والتعوّد على ذل السؤال مع ارتداء تلك الملابس الرثة..!
فشلت أول محاولة (للشحاذة)، العيون تشفق عليك من النساء والأطفال داخل سيارة العائلة، ولكن نظرة الأب الحادة كانت إجابة واضحة بالنسبة لي..!
اتجهت تلقائياً للسيارة التالية والتي كان بها مقيم منهمك في (مكالمة هاتفية) وفي فمه (سيجارة) ويومئ لي بيده، السيارة الثالثة كان بها شاب يتابع (السيناريو) الذي تم أمامه من السيارتين السابقتين أدخل يده في جيبه ثم أشار بيده للسماء (الله يرزقك)..!
شعرت بخيبة الأمل (درجة الحرارة ترتفع) والإشارة تفتح وتغلق والسيارات تتحرّك ولم أحصل على شيء ومن أولها شعرت بالعطش، فنظرت للكاميرا المخفية في الجانب الآخر من الشارع لأطلب من المصوّر (ماءً بالسر)، وإذ بمنبّه السيارة في الخلف يدعوني ليقدّم لي السائق (ريالاً)..!
أول الغيث قطرة.. والبقية غداً.. وعلى دروب الخير نلتقي.
fahd.jleid@mbc.netfj.sa@hotmail.com