قام أحد البنوك الوطنية المشهورة مؤخراً بفصل عدد من موظفيه بسبب إخلالهم بعقود العمل معهم كما قيل، ومنبع القضية كما أشارت وسائل الإعلام هو أن أولئك الموظفين طالبوا بتحسين رواتبهم وشمول أسرهم بالتأمين الطبي وغير ذلك من الطلبات المتعلقة بعملهم وقادتهم إلى الإضراب عن العمل كوسيلة ضغط على البنك.
طبعاً هذا البنك الوطني صاحب الفروع الأكثر في المملكة والذي حصل مؤسسوه على جائزة كبرى كان من ضمن حيثياتها توفيرهم عشرات الفرص الوظيفية للمواطنين والمواطنات، استخدم حقه القانوني وظاهرياً لا أحد يستطيع أن يجبره على التمسك بموظف أخل بعقده العملي. لكن القضية تتجاوز الجدل القانوني إلى أهمية النظر في بيئة وشروط العمل والتعسف في استخدام القانون، كما يقال. فالموظف يحتاج بيئة عمل تحفيزية وليس بيئة عمل تبحث عن أصغر الأخطاء لتعاقبه وتحرمه العلاوات وتحرمه الإجازات الاستثنائية ولا تتيح له فرص التدريب وغيرها من الحوافز التي تتوفر عادة في بيئات العمل الناجحة حتى ولو لم تكتب حرفياً في عقد كل موظف.
العلاقة تتوتر حينما يكتب على الموظف/ الموظفه إفادة لمجرد تأخره ثلاث دقائق وتتوتر حينما لا يسمح للموظف أو الموظفة بحضور عزاء الأقارب ولا يسمح لهم بأخذ أحد أطفالهم للمستشفى ولا يسمح لهم بإجازة استثنائية دون راتب ولا يسمح لهم بترحيل إجازاتهم إلى عام قادم.... إلخ. القضية ليست عقود قانونية إذعانية، بل بيئة تترصد أخطاء الموظف/ الموظفة ولا تتردد في دفعه للاستقالة، وحتى حين يقدّم استقالته لا أحد يناقشه في أسباب الاستقالة، بل تقبل فوراً وكأنه مجرد رقم يمكن تعويضه بآخر.
الإشكالية هنا هي حمايتنا للقطاع الخاص المتجبر كهذا، فالرقابة لا تعنى سوى بالقطاع الحكومي ووزارة العمل لا تتعامل سوى مع الشكاوى والصحف والإعلام ممنوع من ذكر اسم البنك ويتردد في مناقشة القضية علناً. أعتقد أننا يجب أن نضع معياراً جديداً لمحاسبة ومتابعة القطاع الخاص في مجال توظيف الكوادر الوطنية. هذا المعيار يتمثَّل في حساب عدد المفصولين والمستقيلين من المؤسسة ومسببات ذلك والاطلاع على حجم الترقيات وبرامج التدريب التي يحظى بها المواطن الموظف في القطاع الخاص. عندما يقدّم عشرات المواطنين استقالاتهم من بنك مشهور كهذا فهذا يعني أننا نبعث رسالة واضحة لأبنائنا وبناتنا بأن القطاع الخاص غير مأمون مستقبله وأنه قطاع يسيّره أفراد وفق أهوائهم وبأن مؤسسات القطاع الخاص وهذا البنك من كبرياتها ليست بيئة محفزة لعمل أبناء وبنات الوطن. هذا يعني أننا نبني بيد ونهدم باليد الأخرى.
جميعنا يتعامل مع البنوك ونعلم أنهم يوقّعوننا على عقود طويلة محبوكة قانونياً بحيث تجير شروطها لصالح البنك دائماً، وهذا ما يحدث في توظيف أبنائنا وبناتنا بتلك البنوك وآن الأوان لأن تتدخل جمعية حقوق الإنسان ووزارة العمل والجهات ذات العلاقة لرسم عقود ذات حدود دنيا من الترقيات والتأمين الصحي وساعات العمل والجزاءات والعقوبات بالشكل الذي يحافظ على حقوق الموظف وكرامته ويحفزه للثقة والعمل بالقطاع الخاص. لا يجب أن نترك فصل عدة موظفين يمر هكذا لمجرد أن المفصولين لم يستطيعوا إثبات حالتهم قانونياً. يجب أن نوجه رسالة بأن العدل ليس مجرد عقود إذعان يجبر الموظف على توقيعها وهو مضطر للعمل بتلك البنوك وأمثالها من الشركات. إذا لم نفعل سيظل المواطن يبحث عن الوظيفة الحكومية وسنمنح القطاع الخاص مزيداً من السمعة السيئة كقطاع طارد وغير محفز والعمل به لا يحقق الأمان المطلوب.
malkhazim@hotmail.com