لست مختصا في علم الاقتصاد الجاف والمعقد لكن كل الناس يمارسون الاقتصاد في حياتهم اليومية من تلامذة المدارس إلى المتقاعدين، في البيع والشراء والاقتراض وتبادل المنافع. ولن أكثر من التنظير وأود أن أدخل مباشرة في موضوع المقال. ماذا تصنع بنصف أو ربع الريال إذا بقيت لك مع الفكة كما نسميها؟ أحسب أنك إما أن تأخذ بدلا منها علكة أو قطعة حلوى حسب اقتراح البائع أو أمين الصندوق (الكاشير بالتعبير الدارج)، أو أن تأخذ هذه الهللات فتلقيها في جيبك ثم في السيارة أو تهملها في زحمة حاجيات وأغراض منزلك. في بعض الدول المتقدمة وبالتحديد في المطارات، يتم وضع صناديق زجاجية في صالات الوصول لحث المسافرين العائدين من الخارج لوضع باقي العملات أياً كانت فئتها أو قيمتها كتبرع لإقامة مشاريع خيرية أو دعم جمعيات النفع العام. وقد كان لدينا مثل هذه الصناديق في الأسواق والمتاجرإلا أن الجهات المختصة رأت اللجوء إلى طرق أكثر أمنا لمنع استخدام تلك التبرعات لأغراض تخريبية.
وبالفعل تم اتباع طريقة خصم باقي الهللات آليا في كبرى الأسواق التجارية لمن يرغب التبرع بها لصالح الجمعيات الخيرية، وبهذا صرنا نشعر بقيمة تلك الهللات بدلا من إهمالها أو رميها ونسيانها، والقليل يصنع الكثير وبجمع ملايين الهللات نساعد الجمعيات على النهوض والعمل وخدمة المحرومين والمحتاجين الذين لهم حق علينا.
سررت كثيرا عندما قرأت تصريحا لأحد منسوبي جمعية الأطفال المعاقين بأنه يتوقع من خلال حملة (دع الباقي لهم) بالتعاون مع سلسلة أسواق مشهورة بالمملكة بأن يتم جمع مبلغ عشرين مليون ريال خلال السنوات الثلاث القادمة مما يسهم في بناء مشروع وقفي كبير يعود ريعه لصالح جمعية رعاية المعوقين.
هذا حقيقة يعتبر تطويراً في العمل الخيري يتماشى مع تطور أساليب العيش وطرق التقنية وإيقاع الحياة، وتيسيراً على فاعلي الخير والراغبين في الإحسان. ومثل تلك الطريقة الميسرة والرائعة لراغبي التبرع والمحسنين هي التبرع عن طريق رسائل الجوال، وأول من أطلق هذه المبادرة حسب علمي هي جمعية (كلانا) لرعاية مرضى الفشل الكلوي ثم تبعتها جمعيات عدة، وما أجمل أن نستخدم التقنية في أعمال البر والخير والإحسان.
مهما صغر المبلغ المتبرع به فإن المطر يبدأ بقطرات ثم ينهمر فيجري أودية فكذلك العطاء، ولو بهللات ومع تعاون الملايين منا نفعل بهللاتنا بإذن الله خيراً كثيراً.
الصدقة والتبرع والتطوع كلها أطياف للعمل الخيري وهي قيم من أصل ديننا وحضارتنا إنما دون شك لا بد من تطوير طرقها وتيسيرها واستخدام وسائل التقنية والاتصال لتعزيزها ونشرها وما مبادرة (دع الباقي لهم)، وإطلاق تقنية التبرع عن طريق الهاتف الجوال إلا تحقيق لهذا المفهوم الرائع. أمثلة الإنجاز والنجاح تبعث على الارتياح والإشادة بها دعم لها وللمجتمع فإلى المزيد من المبادرات الحضارية وأسباب الرقي والتحضر ودمتم.
omar800@hotmail.com