قد يبدو هذا العنوان غريباً إذ كيف تكون عمرة رمضان في شعبان ؟! لا تعجب فقد تكون أيضاً في شوال .. كيف ذلك ؟
في البداية أستفتح بحديث من يحبه الله تعالى ونحبه ونتوق لرؤياه عليه الصلاة والسلام إذ يقول: «عُمْرَةٌ في رَمَضَانَ تَقْضِى حَجَّةً أَوْ حَجَّةً معي» متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة أم سنان، واللفظ لمسلم.
وقد جاء أيضاً عن طريق غيره من الصحابة بلفظ مطلق من غير قصة كحديث جابر رضي الله عنه عند أحمد وابن ماجه بسند حسن: «عمرة في رمضان تعدل حجة»؛ بل عدّه بعضهم من المتواتر.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: «وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان تعدل حجة» من وجوهٍ كثيرة.
هذا الحديث يدل دلالة بيّنة على فضل عمرة رمضان، وأنها تعدل حجّة، وهو قول عامة أهل العلم خلافاً لمن خصّه بتلك المرأة فقط.
ولكن كيف تكون عمرة رمضان في شعبان ؟ أو شوال ؟ لدينا ثلاث حالات:
الأولى: من أحرم بالعمرة قبل غروب شمس آخر يوم من شعبان، وأداها في رمضان.
الثانية: من أحرم بالعمرة بعد دخول رمضان، وأداها في رمضان.
الثالثة: من أحرم بالعمرة قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان، وأداها في شوال.
ففي الحالة الأولى يصح أن نطلق عليها عمرة رمضان في شعبان؛ إذ كان الإحرام بها في شعبان بل قد يكون أكثرها في شعبان عند بعض العلماء كما سنرى.
وفي الحالة الثالثة يصح أن نطلق عليها عمرة رمضان في شوال؛ إذ كان أداؤها في شوال.
ولكن السؤال: هل كل تلك الحالات تعتبر عمرة في رمضان عند جميع العلماء؟
ليس الأمر كذلك سوى الحالة الثانية فلا إشكال فيها أصلاً.
فأما الحالتان الأولى والثالثة فالمذاهب الأربعة لها فيها أقوال أربعة:
فالحنفية يعلّقون الحكم بأشواط الطواف بحسب وقوع أكثرها، فإن وقع أكثرها (أربعة فأكثر) في شهر شعبان لم تكن عمرة رمضانية، وإن وقع أكثرها في رمضان فهي عمرة رمضانية.
وهكذا آخر الشهر لا تعد رمضانية إلاّ إن أدرك أربعة أشواط قبل غروب شمس آخر يوم.
والمالكية يعلّقون الحكم بالتحلل من العمرة، فإن وقع التحلل (أي الحلق وعند بعضهم آخر السعي) في شهر شعبان لم تكن عمرة رمضانية، وإن وقع التحلل في رمضان فهي عمرة رمضانية؛ حتى لو كانت كلها في شعبان.
وهكذا آخر الشهر لا تعد رمضانية إلاّ إن أدرك التحلل قبل غروب شمس آخر يوم.
والشافعية يعلّقون الحكم بالطواف بحسب الشروع فيه، فإن وقعت بداية الطواف في شهر شعبان لم تكن عمرة رمضانية، وإن وقعت في رمضان فهي عمرة رمضانية.
وهكذا آخر الشهر لا تعد رمضانية إلاّ إن أدرك بداية الطواف قبل غروب شمس آخر يوم.
وأما الحنابلة فهم يعلّقون الحكم بالإحرام، فإن وقع عقد الإحرام (أي نية الدخول في النسك) في شهر شعبان لم تكن عمرة رمضانية، حتى وإن وقع أداؤها في رمضان، وأما إن وقع الإحرام بها في رمضان فهي عمرة رمضانية.
وهكذا آخر الشهر تعد رمضانية بمجرّد وقوع إحرامها قبل غروب شمس آخر يوم؛ حتى وإن أدّاها كاملة في شوال.
ومن خلال هذا العرض يتبيّن أن من وسع في أول الشهر ضيق في آخره والعكس؛ لذا فأخذنا بأي قول يحتم علينا الالتزام به في أول الشهر وآخره، ولا يصح التلفيق لأنها قاعدة واحدة.
لعلك تتساءل بعد تلك الجولة بين المذاهب: إلى أين أنت ذاهب ؟
فأقول: فضل الله تعالى واسع، فمن اتبع واحداً من الأقوال فهو مدرك بإذن الله فضل العمرة في رمضان، ومن كان في سعة من أمره فلتكن عمرته في رمضان إحرامها وإتمامها.
ولقد تأملت تلك الأقوال فلم أجد دليلاً بيّناً يفصل في الخلاف، ولكن ثم حديث قد يستأنس به وهو حديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين قال: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلاَّ الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ.
فلم يعدّ أنس عمرته صلى الله عليه وسلم في الحج (والتي هي في نسكه القِران) في ذي القعدة مع أن الإحرام بها كان في ذي القعدة كما لا يخفى، فيمكن الاستئناس بذلك على أن العمرة تطلق على أفعالها دون إحرامها وهذا يؤيد مذهبي الحنفية والشافعية فمن أحرم في شعبان وفعل العمرة في رمضان فهي رمضانية، ولكن علينا بلازم ذلك وهو أن من أحرم بها في آخر رمضان ولم يدرك فعلها فيه لم تكن رمضانية، والله أعلم.
أخيراً للفائدة العلمية فإنّ هذه المسألة لها تطبيق آخر في اعتبار التمتع من عدمه في أنساك الحج من حيث وقوع العمرة في أشهر الحج (والتي أولها شوال) أو عدم وقوعها بحسب التفصيل والخلاف السابق؛ بل إنما استفدنا تطبيقها على عمرة رمضان من خلافهم فيها.
* أستاذ الفقه المشارك في جامعة القصيم
feqh@hotmail.com