لقد قرأت في العدد 1374 يوم الأحد 2 جمادى الآخرة 1431هـ ما كتبه الأخ الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ عن الاختلاط وضوابطه، وتحدث عن فترة لعلها من أعز الفترات في حياتي وهي ما قبل 1390هـ لا أزيد عليه، ولكن ما أريد الحديث عنه هو تلك الفترة التي تبدلت بعدها الحال إلى ما وصلنا إليه من تشدد وتضييق.
فأقول كما قال أخي الدكتور، كان الناس يعيشون على الفطرة وأخذ الناس بظواهرهم ولم يكن أحد يفكر في النوايا، وكانت فترة مباركة حيث كان هناك مرجعية لها وزنها وثقلها في المجتمع السعودي بجميع أطرافه وأطيافه وفي خارج المجتمع السعودي، ألا وهو سماحة المفتي ورئيس القضاة الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ الذي أعطاه الله عقلاً يرجح على رواسي الجبال الذي عرف بسمته وصمته الذي يغني عن الكلام إذا جلس بعد صلاة المغرب في مجلسه وأحاط به العلماء والكبراء والقادة والعامة تمنى كل منهم أن يفديه بنفسه، يهابونه ويحبونه ويجلونه، هذا الرجل الذي لي -ولله الحمد- فضل السبق في تأليف كتاب مستقل عنه طبعه ابنه الشيخ عبد العزيز -رحمه الله- ثم طبعته دار البشائر الإسلامية.
لقد كان سوق المقيبرة يعج بالناس رجالاً ونساء في بيع وشراء، بل وفي البيوت حين يمر الجار ذاهباً إلى المسجد فإنه يسلم على امرأة جاره وهي بدورها تصبح به وتمسي، فكان الناس يغلب عليهم براءة البادية في الصحراء حين ترعى الفتيات وبجوارهن يرعى الفتيان الغنم.
وهناك رجال الحسبة الذين يرأسهم ويوجههم الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ -رحمه الله- الغالب عليهم، أنهم رجال ناضجون كلهم هيبة ووقار يمشون على الأرض هوناً، قدوة في السمت والأخلاق لا يمشون إلا وعليهم بشوتهم، يسددون ويقاربون، وقد كان والدي -رحمه الله- مكلفاً من قبل الأمير سعود بن جلوي في الأحساء بمنطقة خارج الدراويز أي خارج المدينة مكلفاً بالأحياء التي يسكنها الدكتور حدد المدة إلى التسعين وأنا أقول لم تتبدل الحال إلا بعد عام 1395هـ حيث انتهت المرجعية وتعددت المرجعيات حتى وصلت الحال إلى أن ما يقوله الإمام أحمد بن حنبل هو محل قبول ورد، وأما قول أحد المرجعيات فإنه قطعي يخشى على من يخالفه وكل مرجعية لها أتباعها وكلها تدعي الاجتهاد، ومن نتاج هذه التوجهات خرجت الفتنة المشهورة في الحرم، وأصبحت الساحة كلها تفتي، واستغل هذا من استغله فوضعت الحواجز بين الشباب والعلماء الراسخين وسحب البساط من تحتهم، ثم بدأ تصنيف الناس وأهل العلم خاصة بأن هذا شيخ سلطان أو شيخ حكومة، ولعلي أحد هؤلاء الذين صُنفوا بأنهم شيخ حكومة، فكل من أراد تهدئة الناس وربطهم بسلفهم وبمذاهبهم شنت عليه حملة بأنه شيخ حكومة وأن فقهه محنط محصور في الحيض والنفاس وحرم كل لهو بريء وحرم الفرح حتى في العرس حيث حولوه بما يسمى عرساً إسلامياً كله خطب وأناشيد، وقسم المجتمع إلى ملتزمين وغير ملتزمين، وبدأت التوجهات السرية ثم ظهر الإرهاب. فالفترة التي أشار إليها صاحب الفضيلة وكان لي شرف مزاملته حين كنت مدير مكتب شؤون الفتاوى في الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء ومكلفاً باحثاً أعد أجوبة سماحة الشيخ عبد العزيز وأجوبة اللجنة الدائمة، وقد كان الأمين آنذاك المكلف فضيلة الشيخ سعد بن محمد آل فريان رئيس جمعية تحفيظ القرآن فهو نعم الرئيس وكان لي الشرف حيث عملت تحت مظلته فأدركنا تلك الفترة وشهدناها حيث كان الناس على فطرتهم في وسطية واعتدال لا إفراط ولا تفريط، أما الآن فإننا نمشي في طريق مسدود مظلم.
هذا والله من وراء القصد..
محمد بن عبد الرحمن بن حسين آل إسماعيل
مدير الأوقاف والمساجد والدعوة والإرشاد بالأحساء سابقاً