Al Jazirah NewsPaper Saturday  15/05/2010 G Issue 13743
السبت 01 جمادىالآخرة 1431   العدد  13743
 
اهتم بالمعلومة على حساب السلوك
ألا تغني الاختبارات الدراسية عن اختبار القياس؟

 

سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الغراء

إشارة إلى ما نُشر في هذه الصفحة في جريدة الجزيرة في عددها (13705) وتاريخ 22-4-1431هـ، وما نشر في العدد (13725) في 13-5-1431هـ حول اختبار القياس، فبادئ ذي بدء أقول: لقد تحطمت الآمال على صخرة صماء، وزادت الآلام فمن المداوي للجراح؟ لقد أمضوا ثلث أعمارهم في الدراسة والتحصيل إذا افترضنا أنهم قد يلتحقون بالوظيفة!! حتى إذا مضى من أعمارهم أربعون سنة في الخدمة استغنت عنهم الوظيفة بقوة النظام وحل مكانهم غيرهم، وهكذا عجلة الحياة..

إنَّ ساحة التعليم حدثت فيها أنظمة ومستجدات ما كنا نعرفها في السابق، عندما كنا - نحن المعلمون - ثقافتنا ضئيلة وتأثيرنا قوي وإيجابي.. لقد صدق المثل القائل (الأول لاعب والثاني تاعب).. كنا في السابق لا نواجه أي صعوبة في الالتحاق بمهنة التعليم، وكان الذي يشجعنا على الانخراط في هذه المهنة الاحترام والتقدير للمعلم سواء من المسؤولين أو من أولياء الأمور وأبنائهم.. ولذلك كانت مستويات المتخرجين على أيدينا من الابتدائية إلى الثانوية مستويات عالية ومشرفة في إتقان أغلب المهارات إن لم يكن كلها، كمهارة القراءة والخط والإملاء ومواد الدين والرياضيات.. فلماذا..؟؟ هل كان هناك تقويم مستمر كما يطبَّق الآن في مدارسنا وهو ما يعتمد على التخمين وربما تتدخل العواطف في تقدير الدرجات؛ ما جعل آثار فشل هذا النوع من التقويم ظاهراً في مستويات أبنائنا؟ أم أن الأساليب القديمة في التعليم هي أنجع وأنجح من الأساليب الحديثة في التعليم..؟؟ أم أن طالب الأمس غير طالب اليوم الذي فتحت عليه أبواب المغريات والملهيات حتى أصبح طالب اليوم يأتي مكرهاً إلى المدرسة بسبب انشغاله بما يلهيه عن الدراسة وطلب العلم، حتى أن بعض التلاميذ يأتي إلى المدرسة لينام في الفصل لا ليدرس؛ بسبب سهره مع القنوات الفضائية أو الإنترنت؟.. أم أن معلم الأمس غير معلم اليوم الذي يتمتع بحوافز ومميزات عن معلم الأمس الذي كانت له مكانة في نفوس الناس والمسؤولين وأولياء الأمور؛ فلذلك أعطى وبذل وضحى وأصبح تأثيره إيجابياً في طلابه بكل المقاييس؟.. كل هذا والمعلم قد التحق بهذه المهنة الشريفة بدون اختبار قياس كما يطبق اليوم.. هذا القياس الذي يهدف كما يراه المسؤولون عن التعليم إلى الرفع من مستوى المعلم العلمي والعملي واختيار المعلم الكفء الذي يستحق أن يتقلد هذه الأمانة ويؤتمن على أبنائنا.. ولكن هيهات؛ فهو مقياس اهتم بالثقافات والمعلومات على حساب الأخلاقيات والسلوكيات، وكان الأجدر أن يهتم بكل الجوانب حتى يطمئن المسؤولون على أن من تقلد هذا العمل هو جدير به.. وأن إشغال هذه الوظيفة التعليمية مدروس على أسس علمية كمّاً وكيفاً.

إنَّ هذه الألوف المؤلفة من المعلمين والمعلمات الذين يحدوهم الأمل في الالتحاق بمدارس وزارة التربية والتعليم وكليات التعليم العالي؛ للمساهمة في نهضة هذا الوطن الغالي، ودرسوا في الجامعات والكليات على هذا الأساس، أصبح بعضهم ضحية التطوير بعدما كانوا قاب قوسين أو أدنى من الوظيفة.. فما ذنبهم؟ ومن يدري فلربما كانت ثقافتهم أفضل بكثير من الدفعات التي سبقتهم.. في الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية بفعل الوسائل المتطورة المقروءة والمسموعة والمرئية، وبفضل تكنولوجيات التعليم الحديثة.

إذاً، ماذا يريد منهم واضعو اختبار القياس؟

هل يريدون منهم أن يكونوا علماء في كل شيء؟ وهل الثقافة والعلم وازدياد المعرفة تأتي إلا بعد الممارسة الفعلية للمهنة؟.. ألا يكفي الاختبارات التي اجتازوها في مراحل الدراسة الجامعية وسهروا من أجلها حتى حصلوا على معدلات تراكمية تؤهلهم..؟!!

هل عدمنا الثقة بدراستهم وجامعاتنا وأساتذتنا الأكاديميين لنأتي من خلفهم ونقول لهم «أنتم بعثتم لنا هؤلاء الخريجين ولكننا غير واثقين بعلمهم وعلمكم»، وكأن لسان حالكم يقول هذا الكلام، فلماذا نحطمهم؟ ولماذا نحكم عليهم بالفشل بمجرد أسئلة عامة أغلبها في غير التخصص، وضعها واضعوها عشوائياً بدون مراعاة للفروق الفردية، وهي من الصعوبة بمكان الإجابة عنها حتى من واضعيها!.. إن هذه الألوف المؤلفة الذين لم يحالفهم الحظ في اجتياز القياس إلى أين يذهبون؟ هل ندفع بهم إلى سوق البطالة والمسؤولون في الدولة يضعون الحلول ويبحثون عن السبل لمعالجة البطالة التي تزداد سوءاً عاما بعد عام.. حتى أصبحت همّاً يشغل ولاة الأمر؟..

إننا لا نقول لماذا وضعتم اختبار القياس، ولكن نقول يجب اختيار الوقت المناسب، وخاصة بالنسبة إلى المعلمين والمعلمات الجدد، وأقترح ما يأتي:

1 - لماذا لا يسمح للمعلم (أو المعلمة) الجديد بالالتحاق بالتدريس لمدة سنة أو سنتين تحت التجربة، فإذا زادت خبراته وأثرى معلوماته ومارس المهنة عملياً يخضع بعدها لاختبار القياس ثم يحكم عليه بعد هذا هل يصلح للتدريس أم فشل فيه.

2 - إذا اجتاز اختبار القياس وقررت اللجنة صلاحه للتدريس يعامل حسب نتيجته في الاختبار وتحصيل المعلومات ويصنف الراتب والمستوى حسب الدرجات التي يحصل عليها. فالذي يحصل على 100 % يصنف على درجة في المستوى أعلى من الذي يحصل على 90 %، والذي يحصل على 90 % يوضع في الدرجة التي تكون أفضل من 80 %، وهكذا.. أي يطبق في حقهم مبدأ الثواب والعقاب الذي سيكون دافعاً لكل معلم على الإنتاج والتنافس؛ فالذي يريد تحسين مستواه في درجة أعلى عليه أن يخضع لاختبار قياس في العام القادم مع الدفعات الجديدة..

أما أن يصنف الملتحقون في التدريس على درجة واحدة فهذا فيه إجحاف بحق المتميزين..

3 - هناك جانب آخر يجب ألا يهمله واضعو القياس، وهو أكثر أهمية من المعلومات وقياسها، ألا وهو الجانب الأخلاقي والسلوكي للمعلم الجديد الذي سيكون تأثيره مباشراً في عقول النشء وسلوكياتهم، سواء بتعليمه أو بتصرفاته؛ وذلك حتى نطمئن على حماية أفكار شبابنا وبناتنا من السلوكيات المكتسبة الخاطئة مثل شرب الدخان وتعاطي المخدرات والمسكرات.. فلماذا لا يطبق الفحص الشامل للمعلم ثقافياً وسلوكياً وأخلاقياً كفحص ما قبل الزواج، وذلك بإحضار تقرير طبي من مستشفى حكومي يثبت به عدم وقوعه في هذه العادات السيئة؛ حتى نضمن مستقبل أبنائنا سليما، ونضمن عدم انتقال هذه السلوكيات الخاطئة إليهم.

عبدالرحمن صالح العقلان


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد