كنتُ من يلوح بالوداع
على أمل اللقاء
واليوم تفعلين !
ولا لقاء !
كنتُ من يرحل
وأنت من ينتظر !
أنا من يمضي
يلملم بقايا جسده
سوى قلبه
يدعه بين يديك!
حين كنتِ لي صوتا فقط
أبحث في وتيرته عن حالك عن صحتك عن سعادتك وعن اطمئنانك
كنتِ ذاك الصوت
وكنتُ ذاك الصغير الذي يتلمس حنانك الذي يجيء سريعا يحتوي العالم كله! يدفئ صقيعي ويذيب صمتي ويرفرف كعصفور جميل فوق رأسي
وينهمر كقطر لذيذ
أستطعم لذته كل يومي
كل وقتي
وتبقى نبراتك ترن في أذني وقلبي وصدري، أتنفسها وأملأ كل ذرة في بها
أسد جوعي وأُطمئن لهفي
لكنه يغادرني سريعا فالشوق إليك يزلزلني يخنق سعادتي يشعل في لهبا لاينطفئ
وقد تمثل صوتك جسدا حيا يمد يديه كي يستعجل عودتي !
يعلن انتظاره وهويفتح ذراعيه لي
لارتمي في حضنك ككل مرة وألتحم بك ،أصبح جزءا منك ولا أقوى على أن تلدينني مرة أخرى!
أروي ظمئي منك، وأسد جوعي وحرماني
وأكمل بكاء شوقي وحنيني !
هاقد عدت أخيرا
عدت يا صوت أمي
عدت ياكل أمي !عدت وأنا أمني نفسي بقربك
لكنك تغيبين سريعا
يغيب الصوت والجسد وكل شيء فيك
ياغربتي التي بدأت
وقد ظننتها انجلت
ظننت أنني سأهنأ بك أكثر حين أصبحت أقرب
ولو لم أكن قريبة تماما لكنه قرب يعني أننا نتنفس الهواء ذاته ونتقاسم الوطن نفسه.
لكنك ترحلين!
ذاك الرحيل المر
ذاك الوجع والفقد والمصاب !
رحلت ولالقاء رحل منك كل شيء وأبقيت لي ثوب عيدك الأخير
لكنه فارغ من جسدك الحبيب
قطعة شفافة كقلبك النقي ذاك النوع من القماش الذي تفضلين .
تزينه زهرات خريفية اللون باهتة ! لكأنها تعلن قرب رحيلك!
أظل أتأمله أشتم رائحتك وأبكي يا أمي
أبكي حنانك الذي غاب
أبكي رحيلك المر ولا أكاد أصدق أنك تفعلين وترحلين
وتغيبين عني تماما !
ياشمسي التي لم تعد تشرق في حياتي من جديد
ياقمري الذي ناجيته كثيرا في غربتي
وكتبت فيه حروفا لاهبة أبكت أعينا كثيرة وشهقت لها صدورا كثيرة!!
هل تدرين ؟
لم أصدق بعد رحيلك لم أصدق غيابك
لا أدري إن كنتِ فوق التراب أم تحته؟
مازلت أشعر أنك فوق ذاك الكرسي تنتظرينني
ألتقط الهاتف لأحادثك وأتخيل حركتك المميزة حين تلتقطين السماعة! وتسكبين في قلبي كلماتك الحلوة تختلط بأنين خافت وشكوى لاتستمر طويلا تبترينها بحمد الله تعالى وأنت تستطعمين لذة الصبر!
مازلت أدعو لك بالشفاء !
مازلت معي تتنفسين وتتحدثين حتى أنك مازلت ترفضين الطعام وأنا أغصبك وأترجى فيك أن تعطفي علي بلقمه فحسب!
مازلت أشعر بحرارة كفيك الحانيتين حين قبلتهما وأنت ترينني صبغة الحناء فيها وأسمع ضحكاتك وأنت تحكين لشقيقتي كيف قبلت راحة يدك الملونة بلون العيد
كنت أحتفل معك وبك وماظننت أنه آخر احتفاليتنا معا! مازال وجهك الأصفر الذابل بقسماته الراضية وهو يقاوم ما استطاع ليعلن أنه بخير! مازال يرتسم أمامي جميلا حبيبا عطوفا رائعا روعة الأمهات الحانيات
كيف أصدق قولي لي؟
كيف أصدق أنك فعلا غبتِ؟
يارب اغفر لحبيبتي أمي وأسكنها فسيح جناتك والمسلمين أجمعين.
منيرة ناصر آل سليمان
marrfa@hotmail.com