فإن أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة أنه بعث فيهم رسولاً من أنفسهم، وأنزل عليه أفضل كتبه، كما قال -تعالى- {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (164) سورة آل عمران ففي هذه الآية العظيمة يوضح الله -تعالى- حقيقة أن العرب كانوا في ضلال مبين، أي في غي، وجهل ظاهر لا يخفى من الشرك والكفر، والجهل، والضلال، والتشتت، والفرقة، والعداوة والبغضاء، ثم أنعم الله عليهم بأن بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آيات القرآن، ويطهرهم من الشرك، والأخلاق الفاسدة، ويعلمهم القرآن والسنة، فهذه الأمة كانت ميتة من جميع الجوانب العقدية، والتشريعية، والأخلاقية، والاجتماعية، والاقتصادية، فأحياها الله -عز وجل- حياة العزة والكرامة بهذا القرآن العظيم، ولهذا سمى الله -عز وجل- كتابه العزيز روحاً، قال -تعالى- {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (52) سورة الشورى، ففي هذه الآية الكريمة يسمي الله -تعالى- هذا القرآن العظيم روحاً، لأن به تكون حياة الأمة أفراداً وشعوبا، وكذلك يصفه -تعالى- بأنه نور وضياء، لأنه يبدد ظلال الشرك، ويزيل ظلمات الجهل، ويهدي إلى صراط مستقيم، وهو صراط الإسلام، وهذا كما قال -تعالى- {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1) سورة إبراهيم، فهذا القرآن يخرج من عمل به من ظلمات الضلال والغي إلى نور الهدى، ونور الحق في العقائد، والعبادات والأخلاق والمعاملات فهو يرشد، ويدل، ويهدي إلى أقوم الأقوال، والأعمال، والمعتقدات كما قال -تعالى- {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء، فمن عمل بهذا القرآن، واتبع هديه، فقد ضمن الله -عز وجل- له أنه لا يضل ولا يشقى، كما قال -تعالى- {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (123) سورة طه، وكما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله، وسنتي).
ومن اطلع على تاريخ العرب، وغيرهم من الأمم والشعوب، وجد أن وعد الله -عز وجل- قد تحقق، ووعده حق وصدق، فما من أمة دخلها القرآن، وتمسكت به، وعملت بهديه إلا تبدلت أحوالها، وشاع فيها التوحيد الحق، وانتشر فيها العلم، وسادها العدل، والرخاء، والمساواة، وصارت قدوة حسنة لغيرها، وأصبح غيرها تابعاً لها بعد أن كانت هي تابعة لغيرها، وأنجبت من العلماء، والقادة والأئمة في جميع العلوم والمجالات، وقدمت للبشرية والإنسانية في ظرف وجيز ما لم يشهد تاريخ البشرية له مثيلاً، فلله الحمد على نعمة الإسلام، وعلى نعمة التوحيد والقرآن.
(*) وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد للشؤون الإدارية والفنية