سيطر القطاع العام على هيكل الاقتصاد عندما كانت مؤسسات الدولة تقوم بالنشاط الاقتصادي.. ومع ظهور الأيديولوجية الرأسمالية التي اعتمدت على فكرة تحرير النشاط الاقتصادي ودعم دور الفرد، كما جاء في مؤلفات عرّاب الاقتصاد الحديث، الإنجليزي آدم سميث، خرج علم الاقتصاد بفكرة القطاع الخاص وانقسم العالم إلى قطبين اشتراكي ورأسمالي.. وسقطت الاشتراكية لأنها همَّشت دور الفرد وتجاهلت غريزة الملكية الخاصة.. وأي فكر لا يستوعب طبيعة البشر لا يمكن أن تبقيه القوة أو السلطة، إذ يفرض التوازن الاقتصادي رغبة الناس في الأجل الطويل بميكانيكية السوق، وهي القوة والسلطة الأكبر.. وحفّز انحسار دور الدولة في النشاط الاقتصادي وإهمال القطاع الخاص للنشاط الاجتماعي على نمو فكرة القطاع الاجتماعي، ليتكون هيكل الاقتصاد في الفكر الاقتصادي المعاصر من ثلاثة قطاعات، العام والخاص والاجتماعي.. وإن كان القطاع الاجتماعي لا يهدف إلى الربح، إلاّ أنه يمثل محوراً اقتصادياً مهماً في هيكل الاقتصاد الحديث يرتبط بشكل مباشر باستغلال الموارد الاقتصادية بصورة أفضل وتفعيل الطاقات البشرية باستثمار أوقات الفراغ وتفجير طاقات الإبداع بشكل خاص مع التركيز على الفرد كعنصر فعّال في النشاط الاجتماعي.. هذه الفكرة هي تغيُّر طبيعي لإنقاذ الإنسان من هيمنة المنظومة الاقتصادية التقليدية التي وضعته بين مطرقة القطاع العام وسندان القطاع الخاص، ولم تسأله ماذا يريد؟ القطاع الاجتماعي أصبح يُشكِّل الآن جزءاً مهماً من هيكل الاقتصاد في الدول المتقدمة، وأصبح له دور فاعل في المجتمع بامتداد خدماته وإسهاماته الاجتماعية التي شكَّلت رافداً مهماً من روافد التنمية في المجتمع.. ويبدو أن هذا القطاع سيكون له دور أكبر في المستقبل مع انحسار دور القطاع العام وتركيزه المنطقي على الخدمات الأساسية التي تمس التعليم والصحة والأمن والاستقرار في المجتمع.. ونمو القطاع الاجتماعي يعكس روح العمل الجماعي الذي يجسد تلاحم المجتمع ويتجاوز الفوارق المصطنعة.
رئيس “دار الدراسات الاقتصادية” ورئيس تحرير مجلة “عالم الاقتصاد” - الرياض