نحن بلد لم نع الفن بعد... أو أن وعينا محدود... وكما سبق وذكرت في الأسبوع الماضي، الحل بيد عدد من الجهات، الأولى هي: وزارة التربية والتعليم (المتهم الأول في معظم مشاكل المجتمع) لو قامت بتعديلات إضافية في مناهج التربية الفنية، وأضافت منهجاً لتاريخ الفن، يدعم ذلك استخدام مستنسخات لأعمال الفنانين العالميين والمحليين في المعرض الدائم كوسيلة تعليمية، وإضافة زيارة المتاحف إلى جدول الزيارات، ولو استحدثت جامعاتنا أو إحداهما على الأقل قسماً لتاريخ الفن يُخرِّج متخصصين لسوق العمل يتم توجيههم إلى المواقع التي شغلها غير المختصين، ثم لو قامت إحدى الجهات المعنية بإقامة متحف أو أكثر للفنون المعاصرة وفق منهجية وإستراتيجية مشابهة لمتاحف العالم الشهيرة، لو كان هناك تنظيم لسوق الفن وحقوق الفنان الفكرية من قبل الجهات المعنية، ولو قام الإعلام بدوره في تغطية وإدارة وإعداد برامج وأفلام خاصة بالفنون وتاريخها لتثقيف المجتمع، كمهمة تقع على عاتقهم بدلاً من ترديد شعارهم (الجمهور عاوز كدا) كذريعة لعدم اهتمامهم أو جهلهم بالمجال!، ولو قامت مكاتب التصميم الداخلي بإقناع زبائنهم باقتناء عمل فني سعودي بدلاً من عمل (فلبيني) لتزيين الحائط، واقتناء منحوتة لفنان سعودي بدلاً من قطعة كرستال باهظة الثمن!.. ولو قامت كل عائلة بتعليم أبنائها تقدير الفن، وتخصيص يوم واحد من إجازتهم السنوية لزيارة متحف، لو قام كل منا بدوره، لتغير مفهوم الفن لدينا.. وبالتأكيد رأينا تأثيراته الإيجابية، بدلاً من أن يكون نمونا الحضاري جافاً فقيراً فنياً، لا يتوافق معه النمو الجمالي الذي نتوق له والمتمثِّل في الفنون البصرية.
وعملية التغيير أو التأثير سهلة وسريعة، فعلى سبيل المثال أبنائي الذين لم يمض على وجودهم هنا في الولايات المتحدة سوى 3 أشهر أو أكثر قليلاً، أصبحوا يهتمون أكثر بالفنون دون خجل من ممارستها (أقصد الأولاد)، بسبب أسلوب ونوعية تعليم المجال في المدرسة، فدراسة تاريخ الفن ضمن المنهج مطلوب لتذوق الفنون وإدراك أهميتها، بل إن حيطان المدرسة مزينة بمستنسخات من أعمال بيكاسو ومونية وغيرهم لتربية الذائقية الفنية مبكراً لديهم، وتعريفهم بصرياً بتاريخ الفن، كما أن زيارة المتاحف جزء هام من برامج الزيارات المدرسية (بدلاً من زيارة مدينة الملاهي كما كان معتاداً عندما كنا في الرياض)، أصبح أطفالي مهتمين أكثر بالفنون لدرجة لم أعهدها (مع أن والدتهم متخصصة؟) لا لشيء، إلا أن يداً واحدة لا تستطيع التصفيق، وكل طفل يحتاج لقرية كي تتم تربيته، لذا أطمح أن أرى قريتي هذه تهتم بالفن، لا لدوره في رفع الذائقة الجمالية وتهذيب النفوس وتخفيف تلك الغلظة التي نراها في وجوه الناس يومياً فحسب، ولكن أيضاً لدوره الاقتصادي، فالعالم الآن اتجه فنياً إلى الصين.. وبدأ الفن الآسيوي عموماً.. والفن الصيني تحديداً في غزو العالم، بل اتخذ مكانة مرموقة في العديد من مواقع البحث والعرض والتعليم.
وللحديث عن اهتمام العالم بالفن الصيني مساحة لمن يريد المتابعة في الأسبوع القادم -بإذن الله-.