أصبح من المألوف أن تُخصِص بعض الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات التلفزيونية مساحة من صفحاتها أو برامجها لاستطلاعات الرأي العام.. حيث تُعد تلك الاستطلاعات مؤشرات على مدى انتشار المعلومة بين أوساط الناس، وترصد مستوى رضاهم عن بعض الخدمات أو القرارات، وتُساهم في تحقيق مبدأ المشاركة من خلال التعرف على رأي المواطن في التعامل مع المشكلات التي تُواجه المجتمع.. وتُعتبر نتائج استطلاعات الرأي العام مرآة صادقة عند مقارنة تطور ظاهرة عبر الزمن، وقياس التفاوت بين مستوى الظاهرة حسب المناطق الجغرافية.. أو الشرائح الاجتماعية.. أو الفئات العمرية.
ويمكن توصيف طبيعة العلاقة بين استطلاعات الرأي العام وصنع السياسات العامة بأنها جدلية.. فرغم أن كثيراً من المثقفين المتشائمين يرون بأن تأثير استطلاعات الرأي العام على السياسة العامة محدود، إلا أن المتفائلين يذهبون بعيداً حين يرون أن لاستطلاعات الرأي العام دوراً مؤثراً على السياسات العامة، بينما يرى الواقعيون أن العلاقة نسبية، حيث إنها ليست علاقة أُحادية الاتجاه، فقوة تأثير استطلاعات الرأي العام على السياسة العامة تتوقف على العديد من الاعتبارات التي تُشكِّل طبيعة هذه العلاقة المنهجية، مثل صياغة الأسئلة وتصميم العينة، وحجمها، وأسلوب اختيار مفرداتها كالمستويات التعليمية والحالة الاجتماعية والاقتصادية.. وبالتالي نسب الاستجابة.
بَيْد أن دور الاستطلاعات في تشكيل الرأي العام حالياً محدود للغاية.. كونها ليست دائماً مجردة أو موضوعية، فهي حينا موجَّهة.. وأحياناً تفتقر للمصداقية خصوصاً حين تكون جزءاً من اللعبة السياسية أو الاجتماعية.. وأحياناً يحكم نتائجها التعامل الانتقائي.. ففي حين يمكن اعتبارها نوعاً من رصد الرأي الجماهيري حول قرار حكومي أو ظاهرة منتشرة، إلا أنه يمكن أن تكون موجهة، بحيث تستهدف الوصاية أو توجيه الرأي العام نحو قبول تلك القرارات أو الظواهر.. أما عن مدى الحرية التي تتمتع بها أو المصداقية التي تحملها.. فهذا يكتنفه الشك والريبة.. ولا سيما حين تكون صادرة من إحدى وسائل الإعلام المحصورة بمؤسسة معينة تستقي منها الخبر وتوزِّعه بمنهجها.. فإنه باستطاعتها توجيه هذا الخبر بطريقتها، وأيضاً بأسلوبها يمكن معرفة رأي المجتمع، وذلك عندما يتحول المواطن لمجرد مشاهد يتلقى التأثير الإعلامي لصناعة الخبر الموجَّه.. وعندما لا تتوفر المصداقية بإيراد الخبر.. فإن ذلك يُلقي بظلاله على مستوى استطلاع الرأي، ويمتد إلى طريقة عرض الآراء الذي ينبغي أن يكون دقيقاً حتى يكون الاستطلاع موضوعياً والنتائج حقيقية.. وأعني بالاستطلاع الموضوعي طرح الرأي.. والرأي الآخر والقبول بالنتائج، حتى لا تفتقد المصداقية والشفافية.. وتُعتبر دقة نتائج المسوح والاستطلاعات أهم الأهداف التي تسعى إليها أية جهة بحثية.
وفي دراسات مختلفة تم التوصل إلى أن معظم الصحف لا تلتزم بنشر الحد الأدنى من المعلومات الأساسية عن منهجية إجراء الاستطلاعات، وهذه المعضلة لا تتوقف على الإعلام العربي فحسب.. بل إن هناك أزمة في الإعلام العالمي.. حيث تشير مراكز الأبحاث المحايدة إلى أن مساحة الحرية في الإعلام الغربي واستطلاعات الرأي العام بدأت تضيق، وصدرت مؤخراً إحصاءات تذكر بأن 17% فقط من سكان العالم يتمتعون بالقدرة أو الإمكانية للوصول إلى حرية الرأي، مما يؤكد أن هناك أزمة في الإعلام العالمي نتيجة هيمنة الشركات المالية الكبرى، وضغطها عليها بما يعني أن إمكانيات المؤسسات الإعلامية العالمية الكبرى بقدرتها مصادرة حرية الرأي العام.. وحرية التعبير من أجل مصالح اقتصادية وسياسية.. وحتى اجتماعية.
وينبغي أن لا نركن لوسائل الإعلام فحسب في قياس الرأي العام، بل لا بد من إيجاد مراكز استطلاع رأي عام مستقلة وغير موجهة تحكمها العقلية العلمية والمسؤولية الاجتماعية.. مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن الاعتماد على نتائج استطلاعات الرأي العام كونها المصدر الوحيد للحقيقة المجردة، ولكنها يمكن أن تتكامل مع التحليل العلمي.
www.rogaia.net