|
الجزيرة - عبد الله البراك
يعلن أفراد ومؤسسات من خلال بعض وسائل الإعلام وكذلك الملصقات، عن إمكانية تسديد الديون المتعثرة وإعادة التمويل، ويقدمون عروضاً مغرية، منها قروض للعسكريين، وكذلك تمويل يصل إلى 22 راتباً، علماً بأن الحد الأعلى المسموح به في المملكة 15راتباً، كما أن المؤسسات المرخص لها بالتمويل يجب أن تحصل على تراخيصها من قبل مؤسسة النقد.
وأكد الخبير في شؤون المصارف، الكاتب الاقتصادي فضل البوعينين أن «هذه الظاهرة تطورت إلى أن أصبح هؤلاء الأفراد يقومون بالتمويل المباشر مع أرباح مضاعفة، مع اعتمادهم على أموال ومحافظ أشخاص مليئين، وبذلك أصبح هناك قطاع مصرفي وتمويلي يديره الأفراد، موازٍ للقطاع المصرفي الحقيقي والرسمي، وهذا ينطوي على مخاطر كبيرة بدءاً من جمع الأموال وتوظيفها، وكذلك التمويل والحصول على أرباح مضاعفة تتسبب بمشاكل مالية وأمنية، إضافة إلى أن هذه العمليات تفتح المجال أمام غاسلي الأموال القذرة، وقال البوعينين: «في النظام أي أرباح أو أموال متأتية من نشاطات متعارضة مع الأنظمة والقوانين يمكن تصنيفها كعمليات غسل أموال».
أكد الرئيس التنفيذي لشركة سمة الدكتور نبيل المبارك أن إعلانات سداد قروض المتعثرين، وإعادة تمويلهم، التي تنشرها الصحف «غير نظامية»، مشيراً إلى أنه «تمت مخاطبة وزارة الإعلام بهذا الشأن لاتخاذ اللازم, فيما يخص هذه الفئة من المعلنين»، مشدداً على أنه «تم التعميم على البنوك بإزالة ملصقاتهم من على أجهزة الصرف الآلي، ولكن المسألة لم تنتهِ عند هذا الحد، فمع إزالة الملصقات تجد ملصقات جديدة من دون أن يتم التعرف على مصدرها».
«الجزيرة» قامت بالاتصال هاتفياً بأبي سعود، وهو أحد المعلنين، وعند سؤاله عن الأوراق المطلوبة، أجاب بأنها دفتر شيكات، وعقب ذلك يتمم الاتفاق بالمكتب، والواضح أن دفتر الشيكات سيستخدم كورقة دين وليست ورقة وفاء، مما يعني مخالفة صريحة لنظام الأوراق التجارية، كما أن العملية قد تنطوي على كتابة شيكات من دون رصيد، وفي هذه الحالة تعتبر جريمة يعاقب عليها بالسجن لفترة تصل إلى خمس سنوات.
وعن لجوء هذه المؤسسات إلى طلب شيكات من قبل المقترض واستخدامها بشكل يخالف وظيفتها الأساسية، كأن تكون شيكات مؤجلة أو أن تستخدم كورقة إثبات دين، قال: «التلاعب بالشيكات بمثابة الانتحار بالنسبة للشركات، فبعد تطبيق قرار مجلس الوزراء، أصبح التلاعب بالشيكات كاللعب بالنار، و من يحرر شيك من دون رصيد من الشركات يتعرض الى إيقاف خدماته بشكل مباشر لمدة خمس سنوات، وهذا يعتبر انتحاراً للشركة، أضف إلى ذلك أن من يثبت أنه طلب شيك وهو على علم بأنه من دون رصيد، يعتبر مشاركاً في الجريمة، كما نص على ذلك نظام الأوراق التجارية، والنقطة الأهم بأن هذه المؤسسات لو انضمت إلى سمة، لما احتاجت إلى كتابة شيكات واستخدمتها استخداماً يخالف طبيعتها، مما يعرضها للعقوبة والحساب», وعاد المبارك للقول بأن «أي مجال غير منظم، يعتبر مجالاً خصباً للطفيليات والممارسات غير الشرعية، ولا يمكن استبعاد أن هذه العمليات تحتوي على غسيل وتبييض للأموال».
وعما إذا كان هؤلاء الأشخاص مرخصين لمزاولة مثل هذه الأعمال، أجاب المبارك أن «بعضهم مرخص له كمحصل ديون، أو مرخص من وزارة التجارة للبيع بالتقسيط، ولكن هذه الأعمال تحتاج إلى تنظيم، وإذا ماتنظم هذا القطاع سيتم القضاء على هذه الطفيليات المستفيدة، خصوصاً وأن عملية التنظيم سترتقي بعمليات تحصيل الديون المتعثرة، إلى أن تكون تجارة مثل أية تجارة أخرى».
وأضاف المبارك أن بعض هذه المؤسسات «لبت نداء وزير التجارة واشتركت لدى سمة، ومع الأسف لم يتجاوز عددها 35 شركة، أما البقية فلم تشترك وبذلك تثير حولها الشبهات بأن هناك خللا يرغبون إخفاءه». وحول وجود إحصائية لحجم هذه السوق التمويلية غير النظامية قال المبارك «إن حجم هذه السوق غير معروف، ولايمكن تقديره في الوقت الراهن لعدم توفر الدراسات والتقارير».
وأضاف أن «فوضى التمويل من قبل الأفراد تهدد المجتمع بخطر كبير، إذا لم يتم التعامل معها بحزم وقوة»، ولم يستبعد البوعينين أن يواجه المجتمع «مشاكل مشابهة لمشكلات شركات توظيف الأموال، التي أقحمت المواطنين في خسائر فادحة و مشاكل وقضايا قانونية عالقة».
من جانبه وصف أمين لجنة التوعية البنكية، طلعت زكي حافظ، الإعلانات التي تظهر في بعض الصحف وعلى أجهزة الصراف الآلي «لأشخاص بأسماء وهمية»، يدعون فيها مساعدة المقترضين على سداد ديونهم، وإعادة تمويلهم بشروط ميسرة، بأنها «خارجة عن المنطق والمعقول، ولا يمكن استيعابها مهما حاول هؤلاء المعلنون إبراز حسن النية». واستغرب حافظ «ادعاء هذه الجهات بقدرتها على سداد المديونيات المتعثرة وإعادة الإقراض بشروط ميسرة».
وأكد حافظ أن هذه الجهات «لديها أهداف غير سوية، والمتعامل معها، هو ضحية لهذه الممارسات، وبعضها ينطوي على عمليات نصب واحتيال واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء، ونسبة من هذه العمليات تنطوي تحت تبييض الأموال من خلال مبالغ صغيرة، يتم إعادة تدويرها لتصبح أموال نظيفة بعد أن كانت أموالا قذرة».
وقال حافظ إن «الجهات الأمنية ممثلة بوحدة التحريات المالية بوزارة الداخلية، وكذلك مؤسسة النقد والبنوك أيضاً، كانت قد حذرت عملاءها من التعامل مع هؤلاء الأفراد، وعدم التجاوب مع هذه الفئات، التي قد تمتد عملياتها إلى غسل الأموال، وأضاف بأن البنوك العاملة في المملكة لها جهود كبيرة بهذا الشأن، وهي باستمرار تحذر عملاءها من الانجراف خلف هذه الممارسات المغلوطة».
وحول كون هذه العمليات نتجت عن الحاجة لدى بعض المتعثرين، قال حافظ إن البنوك «تقدر ظروف العميل بجميع الأحوال، وهناك العديد من المتعثرين تمت إعادة جدولة مديونياتهم»، وأضاف أن الحالات «ليست كلها متشابهة، فهناك من يفتعل تعثر يتضرر منه الدائنين، وهي حالات مشابهة لحالات الشيك من دون رصيد، فهذا الشيك لا يضر المستفيد فقط، بل يمتد إلى الإضرار بمنظومة متكاملة من الدائنين للمستفيد من الشيك، وبالتالي تتوسع الدائرة لتصل إلى الإضرار بالاقتصاد الكلي».
وعن منح الفرص للمتعثرين لكي لا يكونوا ضحية لمثل تلك التعاملات، قال حافظ إن «بعض البنوك تمنح المقترضين بعض التسهيلات، فبعضها يعطي فترات سماح لبعض المواسم التي قد ترتفع بها مصاريف المقترض، مثل شهر رمضان المبارك، فتقوم بتأجيل القرض إلى شهر آخر، كما أن السياسة التي تفترض في عملية الإقراض شروطها سهلة ولا تؤثر على العميل، فتوجيهات «ساما» تنص على أن القرض الخاص بعميل، يشترط أن لا يتجاوز ثلث صافي الراتب، وأن لا تتجاوز المدة 60 شهراً، ولكن المشكلة تكمن في أن العميل قد يلجأ إلى مصادر أخرى ويثقل كاهله بالديون وبالتالي يتعثر».
وحول تكرار اسم أحد البنوك، قال حافظ: «لا أعتقد أن ذلك يستند إلى شبهة، بل أجزم أن البنوك لا تورط نفسها بمثل هذه العمليات، ولكن بعض البنوك لديها عدد كبير من المقترضين الأفراد، وبالتالي تستهدف هذه الفئة عملاء تلك البنوك». وأرجع حافظ سبب ثقته بالبنوك إلى ثلاثة عوامل وهي: «التقييم الائتماني والمحاسبي المرتفع الذي تتحصل عليه من وكالات التصنيف العالمية، كما أن البنوك تطبق الحوكمة، والتي توضح جميع العمليات وأسلوبها داخل البنك بمنتهى الشفافية، ويندرج تحتها المساءلة وغيره من عمليات الرقابة، إضافةً إلى أن طوق النجاة الذي جنب البنوك في المملكة الوقوع بالأزمة المالية العالمية، هو التزامها بأخلاقيات العمل، كما أن الدور الرقابي الشديد الذي تمارسة مؤسسة النقد، يؤكد أن جميع العمليات التي تتم داخل البنوك تتم بنزاهة، وهذه العوامل جميعها تؤكد نزاهة البنوك».
وكون السرعة في تقديم القرض هي العامل الجاذب للمقترضين، قال حافظ إن «هناك من يعتقد أن البنك يمنح عميله القرض خلال نصف ساعة أو ساعة، وأن هناك تساهل في الإجراءات وهذا غير صحيح، فعملية التقييم والفحص والتمحيص تأخذ وقتها، ولكن اتخاذ القرار بمنح القرض يأخذ نصف ساعة، وبالتالي فالدورة الإجرائية تتم بشكل كامل، ولكن هذه الفئة تعتمد على حاجة الناس واستغلالها، ولكن الحاجة لا تبرر اللجوء لمثل هذه التصرفات».
ويرى الخبير بشؤون المصارف والكاتب الاقتصادي فضل البوعينين، أن عمليات التمويل والعمليات المالية «يفترض بأن يكون القطاع المصرفي والمؤسسات المالية المرخص لها من قبل الجهات الرسمية هي المسؤولة عنها، وأي نشاط خارج هذا النطاق يفترض أن يكون مخالفا للأنظمة والقوانين، ويستوجب التدخل من الجهات الرسمية، وقيام هؤلاء الأفراد بنشر هذه الإعلانات، وقيامهم بسداد ديون المتعثرين مقابل نسبة معينة من القرض الذي يحصل عليه المتعثر من البنك بعد تسوية تعثره، يعتبر مخالفة».
وحذر البوعينين من أن هذه الظاهرة «مستمرة بالتطور، وقد تذهب إلى مراحل متقدمة من المخالفات، خصوصاً وأنها غير منضبطة بنظام رسمي، وأستثني من ذلك المؤسسات المرخصة، ومع الأسف أن هناك مؤسسات رخّص لها بالبيع بالتقسيط واستغلت ذلك الترخيص لتقوم بعمليات التمويل المباشر وهذا مخالف لأصل الترخيص الممنوح لها».
ونصح البوعينين القطاع المصرفي «بوضع أسس نظامية في إعادة تمويل المتعثرين، وفقاً لشروط نظامية ميسرة لتسهيل عمليات سدادهم، كما تمنى من رجال المال والأعمال أن ينظروا إلى القرض الحسن الذي يساعد هؤلاء المتعثرين في سداد تعثراتهم». مؤكداً على وجوب «أن يكون هناك تطابق بين نشاط المؤسسة وماصرح لها في السجل التجاري بممارسته، وأن على المؤسسات أن لاتستخدم البيع بالتقسيط كواجهة أو سبيل للتحايل على النظام».
وعن الضرر المباشر على الفرد من التعامل مع هذه الفئة أوضح البوعينين، أن الضرر المباشر «مالي، حيث إن المقرض يستقطع نسبة تقارب 30% من القرض، أضف الى ذلك الضرر النفسي بإحساس المقترض بالغبن المستمر الذي قد يقود إلى مشاكل أمنية، إضافة إلى ضرر أمني آخر وهو أن يقحم المقترض نفسه بمشاكل أمنيه لايعلم عنها من عمليات غسل وتبييض أموال قذرة، إذ إن بعض المجرمين يقوم بإعطاء هذا الفرد مبلغا نقديا ليسدد قرضه لدى البنك ثم يحصل منه على شيكات مجزأة على عشرة آلاف ريال أو أقل لكل دفعة، ويقوم بإيداعها مستقبلاً من دون أن يثير الشبهات، وبذلك ينجح في غسيل هذه الأموال القذرة، التي قد تكون متأتيه من تجارة المخدرات، والمقترض يكون هو الضحية وكبش الفداء».