رفض بعض الكتل السياسية العراقية - وهي أقلية -، مبادرة - خادم الحرمين الشريفين - عبد الله بن عبد العزيز، والتي وجهها إلى الرئيس العراقي جلال طالباني، وإلى جميع الأحزاب التي شاركت في الانتخابات، والفعاليات السياسية العراقية؛ من أجل تحقيق المصالحة،
والتفاهم، وإزالة الخلافات، ليس من الحكمة في شيء. فما يتعرض له العراق من قتل وتدمير يومي، وما يعانيه - أيضا - في ظل توجسات، ومخاوف تهدد الأمن الداخلي. إضافة إلى مساحة الفراغ الكبير للخارطة السياسية الذي يعيشه العراق، - لاسيما - وقد تأخر حسم تشكيل الحكومة. كل ذلك أدى إلى تعقيد المشكلة، بدلا من حلها. وفرخت أزمات جديدة أكثر تعقيدا وخطورة.
كنت أراهن فيما مضى، على أن نجاح الانتخابات العراقية، سيساهم في رسم مستقبل العراق، إضافة إلى رسم ملامح المنطقة، إذا توافر أمران، أحدهما: أن يستطيع العراقيون التغلب على ورقة الطائفية في السياسية والمجتمع، و إدارة شؤونه الداخلية حسب المعايير الديمقراطية؛ لتكون الدولة العراقية ذات سياسة مدنية.
والأمر الآخر: أن تتدخل دول الجوار - كالسعودية وتركيا ومصر-؛ من أجل التصدي للاختراقات الإيرانية، وتعميق أهدافها الإستراتيجية في العراق. وبدون هذين الأمرين، لن تحمل تلك الانتخابات أي جديد للعراق، ولا لدول الجوار.
يقف المشهد السياسي أمام قضايا مهمة، لعل من أبرزها: تزايد إرهاصات الفتنة الطائفية؛ بسبب النزاعات في العراق، - ولذا - فإن الحاجة ماسة لتحرك فاعل؛ لتهدئة الفتنة، - لاسيما - وأن بعض الأطراف ساهم بقسطه في إشاعة هذه الفتنة، من أجل أن تتقدم بمبادرات إيجابية؛ للمساعدة في هذه العملية. فتحويل العراق إلى ميدان للصراع الطائفي، وتصفية الحسابات والابتزاز، سيدفع ثمنه الباهظ - بلا شك - كل الدول المجاورة للعراق. كما سيدفع بسلبيات عدة على الشأن الداخلي، من بينها: استمرار الفتنة الطائفية التي طلت برأسها على الساحة، - فضلاً - عن مظاهر الفرقة والانقسام، التي تغذيها الصراعات المختلفة، بما فيها الأوضاع المضطربة في المنطقة.
بقي أن أقول: إن السعودية ستبقى بيت العرب والمسلمين، الذي يتسع لجميع الفرقاء، ويطيب الجراحات. كما أن ثقلها الديني والسياسي، يفرض عليها أن تساعد وتساهم وتتوسط في بلورة الحلول؛ لرأب الصدع، وتجميع الجهود؛ للظهور بمظهر الوحدة السياسية، وخلق إرادة واعية بأهمية المرحلة المقبلة، فلا مكان للمزيدات السياسية، أو التنابز اللفظي بما لا يليق. - ولذا - فإن المحافظة على نسيج المجتمع العراقي من أخطار المذهبية والطائفية المقيتة، وعدم إقصاء أكثر من نصف العراقيين عن الشأن السياسي والعام لأسباب قومية وحزبية، مطلب مهم، - خاصة - إذا ما توفرت الأجواء الملائمة للعمل المشترك، والمدعوم بالنوايا الحسنة، والإرادة السياسية اللائقة بالحدث، وهذا ما تفرضه أدبيات السياسة.