من يتابع واقع الجمعيات الخمس (التشكيلية والمسرحية والخط العربي والفوتوغرافية والكاريكاتير) يسمع جعجعة ولا يرى طحنا وذلك لعدم وجود الميزانيات الثابتة التي يبنى عليها مشاريع كل جمعية ونشاطاتها، وقد كان لبعض السلف التي دفعت في بداية تأسيس كل جمعية دور في تحريك ما يمكن تحريكه أو إنشاءه كل على حده، إلا أن هذه السلف لا يمكن أن تخلق المساحة المستقبلية التي يتم لها التخطيط والدراسات لتحقق رغبات وآمال كل منتسب لتلك الجمعيات، ولهذا وكما نسمع أن هناك بارقة أمل قادمة قام بها معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز خوجة لإقرار هذه الميزانيات لتنطلق الجمعيات في تنفيذ أهدافها التي أسست من أجلها، والحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أو إغفالها هي أن مشروع الجمعيات مع أنه مطلب أزلي تأخر تحقيقه كثيرا في ثقافة بلادنا مقارنة بمن سبقونا يحتاج إلى تأن وتلمس للخطوات كون منسوبي هذه الجمعيات جديدي عهد بتجربة الترشيح والتصويت مهما اختلفت تخصصات تلك الجمعيات، كما أن رضا الجميع غاية لا يمكن إدراكها بين يوم وليلة، ومع هذا وبدعم ومؤازرة من وكالة الشؤون الثقافية بالوزارة منذ إنشاء هذه الجمعيات بإشراف ومتابعة من الدكتور عبد العزيز السبيل وكيل الوزارة السابق الذي يذكر فيشكر أبقى له المبدعون في هذه الجمعيات الفضل والريادة وما تبع ذلك من جهود للدكتور عبد الله الجاسر وكيل الوزارة للشئون الثقافية المكلف وحرصه على أن يكتمل بناء هذه الكيانات ويأخذ كل مبدع فيها الدعم والاهتمام طبقا للمقولة (أعط الخباز خبزه) و(أهل مكة أدرى بشعابها) وما يقوم به الأستاذ منصور الفائز مدير عام النشاطات بالوكالة من متابعة وتنفيذ وتسهيل السبل، سيؤتي هذا التواصل ثماره عبر خطوات متأنية هادئة مؤطرة بالحكمة والتروي فبلادنا وبمساحتها الجغرافية تزخر بأعداد كبيرة من المبدعين في مختلف فروع الثقافة والفنون وهذا يحتاج إلى بعد نظر وتخطيط سليم ودعم متواصل وهذا ما نشهده ونلمسه من المسئولين بوزارة الثقافة والإعلام وكالة الشئون الثقافية المعنية بهذه الجمعيات.
زرع الخلافات والتشكيك
لا يمكن الاختلاف على أن أي إنجاز جديد لا بد أن يواجه في بدايته قصورا وأخطاء يتبعها بحث عن حلول وتحقيق التصويب للوصول إلى أفضل النتائج، فقد عاشت الجمعية السعودية للفنون التشكيلية هذه الحالة أو المرحلة في فترة تعتبر تأسيسية تعرف فيها كل منتسب لها من أعضاء مؤسسين أو أعضاء مجلس إدارة (سابقة) التي انتهت فترة ترأسها للمجلس بالكثير من التجارب والخبرات سيستفيد منها المجالس الجديدة، ومع أن الجمعية لا زالت في حاجة ماسة للبناء ومعرفة كيفية إدارة المبدعين فإن الأمر يحتاج إلى حوار مفتوح بين أطراف الأسرة الواحدة من أجل تقييم وتقويم العمل بالاقتراب من القضايا التي تهم الجمعية بحوار هادئ، إلا أنه استبدل مع الأسف الشديد بالمشاحنات والمصادمات من أفراد لا يتعدون أصابع اليد الواحدة لا يمثلون إلا أنفسهم تشكلت منها كرة ثلج كادت أن تسد أبواب التفاهم لخلو أسلوبهم من الحكمة وبعد النظر، ففي الفترة لماضية واجهت الجمعية ممثلة في مجلسها السابق الكثير من الانتقادات وهو أمر طبيعي وإيجابي أخذه الأعضاء بمحمل الاهتمام من قبل البقية ولكن الأمر تجاوز حدود المنطق والأدب أحيانا كثيرة قوبل من المجلس بالصبر والتأني في عدم الرد على ما ينشر أو يقال من تجني واتهامات وخلافها، من منطلق أن الجمعية بيت للفنانين تحل قضاياهم بينهم دون تشهير أو تجريح.
المرحلة الجديدة
قبل أيام أعلنت جمعية التشكيليين بتوجيه من وكيل الشئون الثقافية المكلف د الجاسر فتح باب الترشح للمجلس الجديد خلفا للمجلس السابق الذي انتهت فترة عمله المقررة بعامين مدد لها عاما ثالثا بسب عدم اكتمال انعقاد الجمعية العمومية، تقدم للجمعية تسعة عشر تشكيليا لم يطابق منهم الشروط إلا خمسة خصوصا جانب مرور عام على عضوية المرشح وأعلنت الجمعية تمديد فترة الترشح إلى نهاية ذي الحجة القادم بناء على مقترح تقدمت به الهيئة الإدارية وبموافقة من وكيل الوزارة للشئون الثقافية وهذا دليل على ما تتمتع به الوكالة من حكمة وما تسعى إليه الهيئة الإدارية من تسهيل سبل إنهاء إجراءات تشكيل المجلس الجديد وكان من ضمن الموافقة أن تكون الشروط طبقا للوائح وهو أمر لا يمكن تجاوزه وكان من بين الشروط المشار إليها في اللائحة التفسيرية أن يكون العضو حاملا لمؤهل متخصص في الفنون التشكيلية من دبلوم أو درجة البكالوريوس وغيرها من داخل المملكة وخارجها، هذا الشرط أثار حفيظة البعض دون علمهم أنه شرط أساسي لقبول العضو عند التسجيل للانتساب قبل الترشح للمجلس تبعها الشروط الأخرى وهي الدورات وممارسة العمل الفني أو أن يكون ناقدا له إسهامات طويلة وكاتبا له إصدارات كما جاء في اللائحة التفسيرية.
الالتفاف والدعم
ومع ما يمكن أن ينتج عن مثل هذا التحرك في اختلافات الرأي الذي نؤمل أن يكون مفيداً للقادم وللمجلس الجديد واعتباره ظاهرة صحية أحدثت حراكاً في الحوار وعرفت الآخر بالجمعية وبحماس أعضائها وبما نستبشر به من حلول لأهم القضايا وهي الميزانية التي نجزم أنها في قائمة أولويات اهتمامات معالي الوزير ودخول جيل جديد للمجلس يحمل مسئوليات كبيرة ولديه القدرة على تحمل الصدمات واختلاف الرؤى والثقافات لكل عضو أو راغب في الانتساب للجمعية فالأصابع لا تتساوى والعقول لا تتشابه وأسلوب الحوار يكشف أبعاد قدرة الآخر على التفاهم وفتح سبل البحث عن حلول بفكر منفتح واستشراف للمستقبل الذي يثمر بالكثير من المبدعين والمبدعات.
فعلى التشكيليين أن يكونوا أكثر قربا لجمعيتهم بالتشاور وتقديم النصح وتعديل الأخطاء فأعضاء المجلس يمثلون البقية ولم يأتون إلا بأصوات الأعضاء المؤسسين أو من انتسب لاحقا للجمعية وهذا يعني أن الحلقات متصلة ومتواصلة ومكملة لبعضها البعض.
اختم بالقول إن الكرة في مرمى المبدعين وما يتم من اهتمام مباشر ودائم من معالي الدكتور عبد العزيز خوجة هرم وزارة الثقافة والإعلام وما يقوم به بقية المعنيين بالجمعيات وفي مقدمتهم الدكتور الجاسر يستحق التضحية والصبر والتفاعل في قادم الأيام الذي ننتظر فيه جيلا جديدا متخصصا يحمل مسئولية هذه الجمعيات.