في مقال الأسبوع الماضي أشرتُ إلى أن سوق الإصدارات الأولية (الاكتتابات) في المملكة دخلت مرحلة جديدة من النضج عندما لم يتم تغطية كامل الأسهم المطروحة للجمهور في الاكتتاب الأخير (شركة الخُضري). لهذه المرحلة في رأيي ميزة مهمة جداً، هي التخلص من التشوه الذي لازم السوق الأولية طيلة السنوات الخمس الماضية. فمن الآن لن يكون مجرد الإدراج في السوق سبباً للإثراء على حساب المكتتبين بغض النظر عن أساسيات الشركة المُدرجة. ويُفترض نتيجة لذلك أن تُحجم الشركات غير الواثقة من نفسها عن المُغامرة في طلب الإدراج بما يترتب عليه من مصاريف تتجاوز العشرة ملايين ريال إضافة إلى الإحراج الذي قد يتعرض له أصحاب الشركة عند فشلهم في بيع الأسهم المطروحة أو عند انخفاض سعر السهم بعد بدء التداول. وفي المقابل ستتشجع الشركات المستقرة الواثقة من جودة عملها على طلب الدخول للسوق بعد ابتعاد الشركات الضعيفة التي كان اندفاعها في السابق نحو الإدراج سبباً في تريث وتردد الشركات القوية وفقاً للمبدأ المعروف (العملة الزائفة تطرد العملة الصحيحة). وستزداد نسبة الاكتتابات الناتجة عن الرغبة في تمويل توسع المشروع بدلاً من اكتتابات التخارج التي هيمنت على السوق خلال المرحلة السابقة. ومن أجل تعزيز هذا التطور الإيجابي يجب في رأيي العمل على اتخاذ عدد من الخطوات من أهمها تحرير سوق الطرح الأولي من أية قيود غير مكتوبة في لوائح نظام السوق المالية المُعلنة للجمهور، واقتصار دور هيئة السوق المالية على البُعد القانوني في عملية الطرح (كما هو الشأن في الأسواق المتطورة) دون التعرض للأبعاد الأخرى كالجوانب المالية أو الاقتصادية، لأن إقحام مثل هذه العوامل في قرارات الموافقة على نشرات الإصدار يُضعف كفاءة السوق ويمس من عدالته لأنه يعني انحياز الجهة التنظيمية إلى طرف من أطراف اللعبة الاقتصادية على حساب طرف آخر. وبعبارة أُخرى يكون دور الهيئة في طلبات الإدراج مقتصراً على التأكد من انطباق الشروط النظامية واللائحية على الشركة، إضافة إلى التعهد الذي يقدمه للهيئة مديرو الشركة والمستشار المالي والمستشار القانوني لعملية الطرح، المتضمن صحة المعلومات الواردة في نشرة الإصدار واشتمالها على كل العوامل المؤثرة في توجه المستثمرين نحو الاكتتاب أو عدم الاكتتاب. وعند توافر هذه الشروط توافق الهيئة تلقائياً على إدراج الشركة في السوق ولكن لا تُعلن عن ذلك بنفسها وكأنها تزف للجمهور خبراً ساراً بل تترك الإعلان عنه للشركة كأي قرار تجاري عادي.