لم يكن الواهمون المراهنون على انفرادهم بالصواب والحكمة والمعرفة والتفوق والأفضلية وزعم الأحقية بهذه الكثرة التي تكاد أن تكون الغالبة، ونماذج هؤلاء لا تحتاج إلى الكثير من التدقيق والمتابعة لتعرف من هم، ففي الشارع تراهم رأي العين فهم بلا استثناء في المقام الأول وأنت لا يهم أين أن تكون.
ولو نظرت خلال مشوار قصير بالسيارة إلى اقرب مكان من بيتك كم عدد الذين أطلقوا المنبهات المعترضة الغاضبة على إعطائك لهم إشارة انك ستدخل أو تخرج من مسار إلى مسار حين لا يستغرق سماحهم ثوان معدودة وكأنك تريد أن تدخل في - بلا مبالغة - غرفة نوم أحدهم وان الشارع بهذه اللحظة ملك خاص بهم.
وشوارع مدينة الشعر غير بعيدة من هذا المنظر المضحك المبكي، حيث يرى الكثير من الشعراء انه الأقدر والأعلم والأجدر والأحق والأرقى والبقية مجرد عالات ثقيلة فُرضت على الشعر، وقد تسمع منهم بعض ما قد يستساغ أن يطلق عليه شعرا بشرط ألا يتحدثوا فهنا طامة الطوام فالكل يقول:
أنا الذي نظَرَ الأعمى إلى أدبي
وأسْمَعَتْ كلماتي مَنْ به صَمَمُ
أَنامُ ملءَ جفوني عَنْ شوارِدِها
ويسهرُ الخلقُ جَرّاها وَيَخْتصِمُ