قالت لي: (حرمت من اللعب ومن أن أعيش مراحلي العمرية كما يجب..!! وفجأة وجدت نفسي أماً مطلوب منها رعاية أطفال في الوقت الذي كنت فيه أنا بحاجة إلى رعاية..؟؟)
بهذه الكلمات التي انطلقت من قلب صغير استوطنه الألم وقست عليه الأحزان كتبت إليّ شكواها بعد الله سبحانه وتعالى إحدى الأمهات الصغيرات القاصرات التي لم يتجاوز عمرها الأربعة عشر عاماً..! كلمات لا ينطق بها إلا الأمهات الكبيرات ولكن الأشجان أحياناً تنطق بلسان من سكنت قلبه تعبيراً عن ما بداخله.. وكيف لصغيرتنا هذه ان لا تتألم وقد باعها أبوها إلى من هو كان من المفترض ان يكون لها جداً أو على أقل تقدير أباً لها في هذه الحياة..!
ظاهرة غريبة فعلاً أخذت في الازدياد وبشكل ملحوظ في مجتمعنا المعروف بحماسه وغيرته على عاداته وتقاليده المأخوذة من كتاب الله سبحانه وتعالى وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم.
كنا أحبتي في السنوات الماضية نستنكر بعض تصرفات المجتمعات من حولنا على إجبار صغيراتهم القصَّر على الزواج المبكر ومن شخص هو بمثابة الجد لهن، ولكن أصبح من يقوم بهذه الأعمال يتنفس هواء هذا المجتمع النظيف الذي نعيش فيه معنا ويجبر صغيراته على مثل هذه الزيجات طمعاً في المال فلا حول ولا قوة إلاّ بالله..
قال الرسول صلى الله عليه وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج) والباءة هنا هي القدرة المادية والبدنية، والمصطفى عليه أفضل الصلوات خاطب الشباب والفتيات على حد سواء وربط شبابهم وقمة عطائهم بإمكانية حدوث عدم استطاعتهم وقدرتهم البدنية على الزواج، فما هي مؤشرات النجاح في العلاقة التي ستربط بين صغيرة لم تكتمل فيها أعضاؤها البدنية، ولا تعرف في الأصل حتى معنى كلمة (الحياة الزوجية)، ورجل تجاوز الثمانين من عمره وأصبحت أياديه المتجعدة تطرق أبواب الشيخوخة وبدأت غرائزه المستوطنة في جسده بالذبول، ولا عيب في ذلك فهذه هي سنّة الحياة، ولكن العيب في الذي لا يحترم بياض الشعر الذي اكتسى رأسه ولحيته ولم يحترم شقاوة الطفولة وبراءتها، بل استغل كغيره ظروف أهالي بعض صغيرات مجتمعنا وحاجتهم.
كان من المفترض أن تكون صغيرتنا كبقية الصغيرات في هذا الكون لازالت تستمتع بكل دقيقة في أحضان أبويها، تحلم على قدر ما يحمل رأسها الصغير من أمنيات، تتلذّذ بكل دقيقة في هذه المرحلة العمرية الجميلة لتعيش شقاوة ودلع الطفولة، تعيش دور الأم وهي تسرّح شعر عروستها الجميلة والتحدث معها واحتضانها أثناء نومها، وهي تتمنى أن يتحقق ذلك، ولكن في مرحلة عمرية مستقبلية أخرى يكتمل فيها النضوج الفكري والجسدي، لأن الأمومة في مرحلتها الحالية هي بمثابة رصاصة صامتة ستقتل كل أحلامها وتبعثرها في كل مكان، وتفقدها حلاوة مرحلتها الطفولية المميزة التي تعيشها.. تقول إحدى مستشارات النساء والتوليد: إنّ زواج القاصرات ينطوي على مخاطر صحية إذ إن الفتاة دون سن الثامنة عشرة غير ناضجة (بيولوجياً) أو حتى نفسياً لتحمّل أعباء الحمل والتعامل مع الطفل المولود، مبينة أن العلم يشير إلى ضرورة نضوج جهاز الغدد الصماء لدى الفتاة لأنه المسئول عن تهيئة الأم للتعامل مع طفلها من حيث الرضاعة والتنشئة والتربية، ودعت في نهاية حديثها الأسر إلى الابتعاد عن الزواج المبكر والاهتمام بتنشئة الفتيات وإعطائهن فرصاً للعيش بمراحلهن المختلفة لجهة التحصيل الدراسي وتعزيز قدراتهن البدنية والنفسية والعملية، حيث إن الأم الناضجة المتعلمة هي القادرة على التعامل مع مختلف قضايا الأمومة من حيث الحمل والإنجاب والتربية.
رسالة إلى القراء الأعزاء وأنا واثق بأنّ فيكم المسئول والقاضي والمربي والمعلمة والإعلامية الغيورين على مصلحة صغيرات وطنهم، لنقف سوياً سداً منيعاً لإيقاف زحف هذه الظاهرة التي أصبحت العيادات النفسية والمستشفيات تغص بضحاياها من صغيراتنا، لنمنع بطون صغيراتنا من حمل الصغار أمثالهن لأنهم سيظهرن للحياة وهم حاملون لأمراض غريبة جراء عدم اكتمال نموهم في أرحام خُلقت وهي تتناسب مع أعمار لا تحتمل أن تحمل نصف مولود..!!
وختاماً لا ننسى إخواني وأخواتي أن صغيراتنا هن أمهات المستقبل، هن حضارة الشعوب، هن واجهات المجتمع وبدونهن لن يكون للمجتمع أي حضارة وتقدم..
وقفة: الأبيات لكاتب هذه السطور المتواضعة..
ليش العمر ينتهي فيني ونا توي صغيره
المفترض يا عمر توك في حياتك تسمى وتبتدي
فيني حلم فيني دلع وقلب مهره أميره
تحلم تكون مدرسه وفي صفها تسمع يا أبلتي
تلعب وسط اهلها وبشقاوتها عنيدة
والكل من حولها يا شاطرة اجلسي ولا تلعبي
فجأة صرت بسبتك يا بوي أمً كسيره
ضاعت أحلامها وامومتي هي سبت حسرتي
ضيعتني يابوي وخليتني في حياتك يتيمه
وبنار يدينك احرقتني وانا وسط متعة جنتي
- عمّان